لأول مرة في سورية.. معرض ترميم المخطوطات
أمينة عباس
كان معرض ترميم المخطوطات الذي أقيم، مؤخراً، في مكتبة الأسد ضمن احتفالية أيام الثقافة السورية وهو المعرض الأول في سورية الذي تجرى فيه عمليات الترميم أمام الجمهور فرصة للاطلاع على آلية الترميم والمراحل التي يمرّ بها لتصبح المخطوطة صالحة للقراءة، وهي مراحل تحتاج إلى الخبرة والدقة والوقت الطويل، وقد يبدو المعرض مجازفة، حيث ليس من السهل اختصار مراحل عمليات الترميم التي تخضع لها المخطوطات، لكن ما هو مؤكد أنه ضروري لتعريف الجمهور ما معنى ترميم المخطوطات، يقول أ. فادي غانم مدير مكتبة الأسد الوطنية: “يقام معرض ترميم المخطوطات أول مرة في سورية وعلى صعيد الفكرة أول مرة في العالم، وكل المكتبات الوطنية لديها أقسام لترميم المخطوطات، لكن أن يُكشف المعرض بوجود المرممين كامل المراحل التي تتمّ فيها عملية الترميم فهذا يحدث أول مرة، لقد اعتدنا بشكل دائم على إقامة معارض للمخطوطات، أما آلية الترميم التي يقوم بها العاملون في المكتبة، فعادةً تجري داخل المكتبة ضمن مخابر الترميم، كما أردنا وبمناسبة الاحتفاء بأيام الثقافة السورية تقديم العاملين المجهولين الذين هم وراء ترميم هذه المخطوطات في سبيل الحفاظ عليها وعلى تراثنا الوثائقي الغني الذي تمتاز فيه سورية. من هنا فإن دور مكتبة الأسد الحفاظ على التراث السوري بشكل عام والمخطوطات بشكل خاص، وإتاحة التراث الثقافي ليكون في متناول اليد، وهذه من مهام مكتبة الأسد التي من أولوياتها الحفاظ على التراث الوثائقي الملموس (المادة الورقية) من خلال الاعتماد على موظفي المكتبة الذين يخضعون لعملية تدريب مستمرة، خاصة وأن عملية الترميم تحتاج إلى خبرة، والمكتبة لديها عاملون يمتلكون هذه الخبرة التي يتمّ نقلها من جيل إلى آخر”.
ويتابع غانم قائلاً: “تضمّ المكتبة أكثر من 19,900 مخطوطة متنوعة في كلّ المعارف البشرية يعود بعضها إلى 1200 سنة، لذلك نحاول قدر الإمكان حمايتها بشكل دائم ودوري من خلال تعقيمها وإخضاعها للفحص بين فترة وأخرى لترميمها وحفظها ضمن شروط صحية نظامية في المكتبة، مع الإشارة إلى أن معظم أعمال الترميم تتمّ بطريقة يدوية، وترميم المخطوطات هي صناعة محلية بامتياز تتمّ داخل جدران المكتبة بأقل الإمكانيات وأفضل النتائج، علماً أنه وفي ظلّ الحرب التي شُنّت على سورية والحصار الذي تعرّضت له غابت المواد التي تُستخدم في الترميم، ما اضطرنا إلى تصنيعها بأيدينا لإيجاد حلول لهذا الموضوع، خاصة وأن تأمين الورق أصبح أمراً مستحيلاً، بالإضافة إلى غياب بعض الأحبار والأصباغ التي استطاع العاملون في المكتبة تصنيعها”.
وبتعريفها للمخطوط تقول أ. إيمان فاعوري مديرة الإجراءات الفنية في المكتبة: “المخطوط هو كلّ ما كُتب بخط اليد وعند أهل الاختصاص تتضمّن الكتب المخطوطة على البردى أو الرق أو الورق الذي ظهر في عصور لاحقة، والمعرض يسلّط الضوء على كيفية ترميم المخطوطات، بدءاً من استلامها حتى إعادتها إلى المستودع، حيث يتمّ تعقيم المخطوطات باستخدام أبخرة كيميائية، وبعد ذلك تُنظف وتُرمم بدقة عالية”.
وعن آلية الترميم تبيّن رئيسة قسم الترميم في مكتبة الأسد أ. رانيا الصباغ أن “هدف الترميم الحفاظ على أصل المادة من دون أي تغيير أو تحريف فيها، وإذا كان الترميم سيؤثر عليها لا نُقدم على هذه الخطوة وهي عملية تحتاج إلى عناية فائقة بهدف صونها والحفاظ عليها من التلف ومن عوامل الزمن، حيث تعود لمئات وربما آلاف السنين، ومن هنا تأتي أهمية ترميم المخطوطات كعلم يُعنى بالحفاظ على جانب مهمّ من التراث العربي وتوفير سبل الحماية التي تساعد على بقاء المخطوط في حال جيدة لأطول فترة ممكنة”.
ويتطرق الكاتب والإعلامي عماد نداف في تصريحه لـ”البعث” إلى مسألة مهمّة جداً هي حرب المخطوطات في التاريخ: “أهمّ الحروب التي شُنّت على الثقافة والحضارة العربية هي حرب مخطوطات، وهي حرب بدأت منذ زمن طويل، والهدف منها تزوير الوثائق والأحداث التاريخية التي جرت في هذه الأمة، وهذه العملية استمرت من خلال أدوات صهيونية وغربية هدفها تفتيت وحدة الأمة وإثارة التناقضات وتزوير وقائع هذا التاريخ من خلال سرقتها من بلادنا وتزويرها، وهي اليوم إحدى أسلحة الحرب الحالية، لذلك ومن خلال هذا المعرض نشعر بأهمية هذه المسألة لأن مكتبة الأسد هي الحضن الحقيقي الذي يحمي هذه المخطوطات، وأنصح أي مواطن يملك أي مخطوطة نادرة ألا يفرط بها وأن يقدّمها للمكتبة لحماية تراثنا ووثائقنا التاريخية من أي أخطار خارجية وهي التي تؤكد على أهمية تاريخنا وحضارتنا، وتقع على عاتقنا مهمّة صونهما والحفاظ عليهما”.