احتفاء بالموسيقا السورية وإطلاق “مروج” في الأوبرا
ملده شويكاني
“يا معمرجي زيد حجار وعلي ووسع باب الدار، زينها داير من دار وبالحبايب ضويها” حجار القلعة للموسيقي السوري عبد الفتاح سكر، غناها كورال المعهد العالي للموسيقا بتفاعل الجمهور وبتأثير صور دمشق، بأداء رائع اعتمد على التناوب بين الذكور والإناث، وتقطيع بعض الجمل وتكرارها بطريقة مختلفة بمرافقة أعضاء الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله في الأمسية التي قدمتها في دار الأوبرا، ضمن الاحتفالات بأيام الثقافة السورية لعام 2024 بشعار “الثقافة رسالة حياة”.
وجمعت الأمسية بين التراث والمعاصر، فتمّ عزف بعض المقطوعات الموسيقية الآلية التي ألّفها الموسيقيون السوريون الأكاديميون، بالإضافة إلى الاحتفاء بالمؤلفين السوريين من أجيال مختلفة تقديراً لإنجازاتهم الموسيقية التي تعدّ جزءاً أساسياً من الثقافة السورية المتجذرة بالقدم، ولدعمهم ببناء أسس الأغنية السورية والموشحات، فتألقت الأمسية بعزف مختارات من أعمال عمر البطش وعدنان أبو الشامات وسهيل عرفة وعبد الفتاح سكر، كما أبدعت بعزف نجوم الليل تقديراً للموسيقار السوري الكبير فريد الأطرش.
الحدث الأبرز كان بإطلاق المايسترو عدنان فتح الله مقطوعته الجديدة بعنوان “مروج” لتشارك بأيام الثقافة السورية.
وتألفت الفرقة من الإيقاعيات المنوّعة والتخت الشرقي ومجموعة الوتريات ومن ثم انضمام آلات النفخ الخشبية والنحاسية في مواضع مع الطبل الكبير والتيمباني، بمشاركة الأكورديون في أغلب المقطوعات، وكان للبيانو دور في بعض الأعمال.
بدأت الأمسية بقالب سماعي بيات تأليف حسان سكاف بتكرار اللحن الأساسي ضمن خصوصية الخانة والتسليم بدور الأكورديون والوتريات ومن ثم تصاعد اللحن الأساسي بدور الإيقاعيات، وتخلل المقطوعة فاصل صغير للناي. ومن ثم مقطوعة شام للمايسترو كمال سكيكر التي تحكي عن حضارة دمشق وتاريخها وتراثها بتأثير صور السيف الدمشقي وتميزت بتكثيف للتشيللو مع ضربات الإيقاعيات الخفيفة والناي.
وعودة إلى الماضي إلى موشح “ويمر عجباً ويمضي ولا يؤدي السلام” لعمر البطش بأجواء سحر الموشحات فغنى الكورال مفردات الموشح مع الليالي والآمان بتدرجات رائعة.
وتغيّرت أجواء الأمسية بقالب اللونغا السريع جداً بين الخانات والتسليم للموسيقي وانيس وارطانيان بلونغا حجاز كار، والتداخل بين الوتريات والشرقيات والإيقاعيات، وبدور الأكورديون والقانون والعود والناي.
كما استمد من عبق دمشق عازف العود كنان أدناوي مقطوعته “الطريق إلى دمشق” الممتزجة بالحنين الذي عبّر عنه امتداد الوتريات، ومن ثم الدور الأول للعود والتناغم بين العود والناي في مواضع، لتأتي القفلة المتدرجة حتى السكون.
كما أبدع الكورال بالتناوب بالغناء لألحان عبد الله أبو الشامات:
إن في جنبيّ قلباً متعباً
ما تذكرت الصِبا إلا صَبا
وبانضمام آلات النفخ الخشبية والتيمباني وجزء من النحاسيات عزفت الفرقة بزخم موسيقي قوي نجوم الليل للموسيقار فريد الأطرش، فكانت البداية مع الكلارينيت ومن ثم الباصون والفلوت بتأثيرات متتالية التيمباني، ومضت الألحان بتقطيع وتكثيف موسيقي مع امتداد الوتريات وبدور الباصون، لتأتي القفلة مع الآلات الخشبية والناي.
ولم يقتصر الحنين إلى دمشق، إذ عزفت الفرقة مقطوعة المايسترو محمد زغلول بعنوان “ذكرى” والتي تمثل حالة عاطفية لاحت من الماضي بروح تفيض شوقاً بتوزيع أوركسترالي للمؤلف مهدي المهدي بانضمام تشكيلة النحاسيات بدور البيانو والأكورديون.
وبمقدمة إيقاعية راقصة غنى الكورال الأغنية الرائعة لشادية ألحان سهيل عرفة، وأخذ الإناث الدور الأول.
وشغلت مقطوعة احتفالية موسيقية للمؤلف مهدي المهدي حيزاً من الأمسية بزخم ضربات الطبل الكبير والتيمباني بمرافقة الباصون ومن ثم الخط الإيقاعي مع الوتريات بتأثير دور الكورال بالآهات.
الجديد بالأمسية كان بإطلاق المايسترو عدنان فتح الله مقطوعته الجديدة التي حملت اسم “مروج” وترجمت كل معاني المحبة والأمل والتفاؤل بإشراق يوم جديد بتخيّل امتداد المروج الخضراء، فتآلفت الإيقاعيات النشطة مع العود والأكورديون والفرقة مع امتداد الوتريات في مواضع، ومن ثم تخللها فاصل مع الناي ثم التناوب بالضربات الإيقاعية بأداء شائق.
وكل ما قدّمته الفرقة كان متميزاً، لكن مقطوعة “رقصة الشيطان” لمحمد عبد الكريم أمير البزق كانت متميزة بانتقالات وانعطافات موسيقية صغيرة وسريعة وبالتمازج بين الإيقاعيات والنحاسيات لتأتي القفلة المفاجئة بحركة قوية.
وأشار المايسترو عدنان فتح الله في حديثه إلى أن الاحتفال بالثقافة السورية بشعار “الثقافة رسالة حياة”، كان المبدأ الذي اشتغلنا به في سنوات الحرب، على الرغم من كل الأوضاع الصعبة التي تعرضت لها بلدنا، لنؤكد أن الموسيقا حاجة حياتية ضرورية وليست ترفاً أو ترفيهاً وأماناً، واليوم نكرس هذا الشعار بحفل الفرقة الوطنية للموسيقا العربية بحفل سوري بامتياز، فجميع الأعمال التي قدمت سواء بالتأليف أم الألحان أم التوزيع لموسيقيين سوريين، بالإضافة إلى أعمال هي نتاج جهود وخبرة سنوات للدارسين بالمعهد العالي للموسيقا الذين عملوا على تطوير الموسيقا الشرقية والعربية والسورية خاصة.
كما نوّه بأن الأعمال المغناة موزعة أوركسترالياً من دون المساس بلحنها الأساسي.
أما عن ضرورة إقامة أمسيات خلال الاحتفال بأيام الثقافة السورية فيعدّ تأكيداً على الموسيقا التي تعدّ جزءاً من تاريخنا وثقافتنا السورية، ومن عشرات آلاف السنين الشواهد موجودة لأول تدوين موسيقي إلى أورنينا وغيرها.