يحتاجون للحنان والأمان.. الأطفال يدفعون ثمن الحروب: اكتئاب ورعب وسلوك عدواني!
نجوة عيدة
يفتقد الكثير من الأهالي لثقافة الوعي والانتباه فيما يتعلّق بـ “هوسهم” بمتابعة الأخبار التلفزيونية المليئة بمشاهد الدماء والدمار بحضرة أطفالهم، فتأخذهم العواطف الصادقة والتعاطف مع من داخل الشاشة، متناسين من يلتصق بجوارهم ويحتاج للأمان في هذه اللحظة بالذات.
ويتحدث الأهالي عن سلوكيات يلحظونها على أطفالهم يغلبها الخوف والتمرّد حتى على أقرانهم، وخاصة عند الحديث عن الأزمات والحروب، ويذهب بعض الصغار إلى أبعد من ذلك، حيث يخشون النوم في الليل بمفردهم ويصرخون عند انقطاع التيار الكهربائي ليدخلوا نوبة بكاء غير مفهومة، على حدّ تعبير بعض الأمهات.
ضرورة الانتباه
الخبير بالشأن الاجتماعي بسام ديوب ردّ، في تصريحات لـ “البعث”، تلك السلوكيات إلى الحرب الإرهابية التي لا تزال مفرزاتها مستمرة، فلا أحد يستطيع الادّعاء أنها حدث عرضي يمرّ بسرعة، بل هي ندبة في أعماق النفس، وخاصة لمن عايش تفاصليها، والمهمّ لدى الجميع هو كيفية إبعاد الأطفال عن “زوبعاتها” باعتبارهم الشريحة الأضعف، ومتابعة مشاهد العنف والدماء والقتل أياً كان مصدرها حتى لو عبر فيلم أو لعبة إلكترونية تترك أثراً سلبياً يظهر عند الطفل من خلال صعوبات النوم والكوابيس التي تراوده وتدفعه للصراخ، فالحاجة للأمان هي أهم الاحتياجات بالنسبة للطفل، إلى جانب ذلك قد نلمس أثر تلك المشاهد في كيفية تعامله مع أقرانه، فإما نجده انطوائياً يخاف الاقتراب منهم أو عدوانياً يسبّب لهم الأذى، فهو دائم التوتر.
علاجي ووقائي
ورأى ديوب أن دور المختصين والجهات الرسمية يبدأ من اتباع دورات للدعم النفسي، وقال: شاركت برعاية وزارة التربية وإحدى المنظمات الدولية في ورشة عمل استمرت لأسبوع، تعرّفنا فيها على خبرات يمكن من خلالها التخفيف عن الأطفال.
أما عن دور العائلة فقد أشار الخبير إلى دورهم الوقائي والعلاجي، معتبراً أن الدور الأول يتمثّل بعدم مشاهدة نشرات الأخبار والحديث عن الدمار وقصص الموت أمام أطفالهم، وعدم ترك أجهزة الموبايل بدون رقابة بين أيديهم، وإدخالهم في نشاطات رياضية وفنية إضافة لقرب الوالدين من أبنائهم، وإشعارهم بالحب والحنان وأهم شيء الأمان، وزرع الأمل في نفوسهم وتصوير المستقبل لهم بأجمل صورة كنوع من الاحتيال على الواقع، على حدّ تعبيره.
المناعة النفسية
الخبيرة النفسية لمى الصفدي أكدت لـ “البعث” أن الطفل لا يمتلك المناعة النفسية عندما يرى مشاهد عنف حتى لو كانت من خلال الألعاب الإلكترونية، لأن عقله مقتنع أنها لعبة، لكن يختلف الأمر عندما يراها على التلفاز، والمشكلة تكمن في أن يألف الطفل مشاهدتها، وهو الأمر الذي لا يدركه الأهل. وأوضحت الصفدي أن الأطفال عادة ممن يعيشون بمناطق نزاع وحروب دائمة وشاهدوا بأم العين مناظر دموية، تتولّد لديهم تلك المناعة، لكن الأطفال غير المعتادين على الحروب والقتل والفقدان لا يألفون ذلك والأهل لا يدركون أن الطفل يخزن المشاهد ليظهرها من خلال التغيّرات السلوكية، كالخوف من الذهاب إلى المدرسة أو دخول الحمام والابتعاد عن الأم وغيرها ممن تعتبر آثاراً سلبية.
وقالت الخبيرة النفسية: الطفل لا يمتلك المناعة النفسية على عكس الكبار والناضجين الذين يخزنونها نتيجة سنين كثيرة مّرت عليهم، منها يفسّر وغيرها يصعب تفسيره ويبقى عالقاً باللا وعي والكثير من الأشخاص، إذا تكرّر مشهد مرّ عليه سنين يعودون ويتأثرون به لأنه مخزن في ذاكرتهم ويشعرهم بالضيق ويتجنّبون مكان وقوعه، لدرجة أن الطفل إذا تعرّض لأذى حتى لو كان في غرفة داخل منزله كجرح أو كسر نتيجة لعبة معينة نلاحظ أنه يتجنّب دخول الغرفة حتى ينسى أو يتعافى، والأمر نفسه عندما يرى مشاهد بالنسبة له غير مبرّرة كموت الأطفال في فلسطين ولبنان أو صور الأشلاء فهي حكماً تشكّل له أزمة.
دور الميديا
وشدّدت الصفدي على أهمية دور المنظمات والمؤسّسات التي لعبت ولا تزال دوراً كبيراً جداً في هذا الشأن، وعتبت على وسائل الإعلام التي تبثّ على مدار الساعة، مبيّنة أنه ولكثرة الأحداث المؤذية والدامية فقد خرج الموضوع على ما يبدو عن السيطرة، وأصبح من العادي عند بعض القنوات إظهار الصور الدموية بالكامل دون تغطية للأجزاء أو كتابة تنويه أنها مؤذية وغير مناسبة للأطفال، وكأنه حتى نحن الكبار قد فقدنا تعاطفنا البشري، حيث نفترض أنها مشاهد عادية تمرّ على تفكيرنا، بحسب الخبيرة، في وقت أكدت أن الحلول لدى الأهل هي باحتواء الأطفال واحتضانهم عند سماع أصوات انفجارات وتفهم سلوكهم بدل تخويفهم والصراخ عليهم، إضافة لمحاولة دمج الطفل بنشاطات حيوية وفكرية ورياضية تشغله عن التلفاز والموبايل، والحديث دائماً مع الأطفال والاقتراب منهم وتوعيتهم بطرق تناسب أعمارهم حول ما يجري حولنا وتجميل الواقع وتحسين صورة المستقبل بأعينهم.