“ترانيم الحروف” والحنين في معرض روعة العطار الفردي
غالية خوجة- الشارقة
قدّمت الفنانة السورية روعة العطار المقيمة في الإمارات أعمالها الخطية في معرض فردي احتضنه النادي الثقافي العربي بالشارقة، تضمن 50 لوحة محورها الخط العربي، وكتابة الآيات الكريمات، وابتهالات وشعر، بفنيات متناغمة بين التقليدي والكلاسيكي والحداثي، ناثرة بين الزخرفة والمنمنمات أشكالاً هندسية، منها المربع والدائرة والمثلث والمكعب والمعيّن، راسمة بالزخرفة الحروفية كائناتها من أحصنة وورود وشمس وقمر وأهلّة وأرض وسماء وشخصيات فنية، مثل أم كلثوم وأغنيتها “القلب يعشق كل جميل”، وخارطة سورية وناعورة حماة الأثرية، وبيت للشاعر أحمد صافي النجفي “هذي حماة مدينة سحرية، وأنا امرؤ وبجمالها مسحور”.
وتبدو سورية الوطن الجميل بخلفية سوداء، وحدودها مضاءة بالذهبي الممتد إلى ما يحيط بها من كتلة، وتظهر ناعورة حماة شامخة بذاكرتها وحاضرها ولامعة بمستقبلها، فتدور وتدور معها الحياة ومياه نهر العاصي، وكأنها تغني تراثها الفلكلوري الشعبي: “سمعت عنين الناعورة، وعنينها شغل بالي، هي عنينها عالمي، وأنا عنيني عالغالي”.
اعتمدت الفنانة على الأبعاد الروحية للحرف، خصوصاً، الديواني، فترنّمت دلالاته مع الخلفيات اللونية الظاهرة بلون واحد حيناً، مثل الأحمر وما شكّلتْ عليه من تكوينات بتدرجات الأصفر والبرتقالي، أو الأسود وما رسمتْ عليه من أمكنة وخطوط، أو الرملي بتدرجات الترابي الصحراوي وما شكّلتْ معه من تداخلات حروفية، أو الأزرق وتدرجاته المتداخلة مع الأبيض والفضي ليصل إلى الكلمات المضيئة “فإنك بأعيننا”، لتكون هذه الكلمة الكريمة حالة نفسية أشبهَ بالمركب المطمئن بين موج البحر وموج السماء.
كما اعتمدت على تشكيلات متنوعة لـ”الماندالا” وما ترمز إليه من مقامات روحية تأملية تفكّرية تدور مثل المولوية بين الذات ومحور الأرض والكون، بالإضافة إلى تداعياتها الصافية المترنّمة بذاكرة ذاتية وجمعية.
والملفت أن تقنية الزخرفة تتشكّل بخطوط انسيابية، فتنحني لتحضن الجملة، أو تنفتح لتضيء المعنى بين المكونات، وكأنها نافذة التفاؤل المطلّة على الداخل الإنساني والخارج الموضوعي، أو تلتفت لتشير إلى امتداد يشبه لحظة التقاء الصحراء برمال الشاطئ وإيحاءات السماء، وتستدير مع الحصان المتجه إلى الأمام بشموخ، وتنعطف نحو الأزهار والورود مثل الزنبق البري والبحري و”اللوتس”، فتتداخل الآلام مع الآمال عازفة حالة من الطمأنينة والسكينة والإيمان بألوانها الأرجوانية المعشقة بضوء مركّز أو خفيف من تدرجات اللون الأصفر، أو التدرجات المؤلفة من ألوان عدة كالأخضر والأزرق والأبيض والأسود والأحمر والكحلي والبرتقالي.
وللفنانة تجربتها الأولى مع رسم أغلفة الكتب، فكانت لوحتها القريبة من البيئة الإماراتية وجلساتها غلافاً لكتاب “سوالف إماراتية” لزوجها الأديب محمد عماد ناظم العطار، ولها تجربة في تداخل الأشكال الهندسية مع اللوحة والخط كعنصر أساس، وهذا ما يلاحظه المتلقي في بعض لوحاتها، ومنها لوحة الآية الكريمة “لا تحزن إنك بأعيننا”، حيث يظهر المربع بلونه الأسود ممسكاً إطار الشكل البيضوي المتدرّج من الأسود إلى الفضي، وتبرز النقطتان البيضاوان لتشكّل إيقاعاً مشرقاً مع كلمة “لا تحزن” المكتوبة بالأبيض، وتنتثر مع الخلفية المزركشة بالياسمين الأبيض المحتفي بنجوم البحر والسماء والباطن الإنساني.
وتتخذ الفنانة من حرف الضاد الزهري ترنيمة خاصة لإحدى لوحاتها، فترسمها داخل دوائر حمراء محاطة بزخرفة حرفية أقرب إلى المتحركة منها إلى الثابتة، وتتألف هذه اللوحة من أربع دوائر تموج على خلفية سماء ليلية تبدو فيها النجوم نقاطاً بيضاء لامعة صغيرة.
لكن، وعلى الرغم من محاولة الانجذاب إلى تلك الترانيم، نلاحظ أن بعض اللوحات كانت تقليدية متمايلة بين الرسم والتصوير والتعبير، ولاسيما تلك التي تشكّلت ضمن إطارين أو ثلاثة، مضافاً إليها جزء من إطار رابع يقبع أسفل اللوحة من جهة اليسار، مفصحةً عن محدوديّةٍ ما، وفي بعضها الثاني حافظت الكتابة بالخط على النمط المألوف، بينما في بعضها الثالث فكانت قاتمة الإيحاء من الناحية النفسية مثل اللوحة ذات الخلفية الترابية وخطوطها المكتوبة بالأسود.
وعن ذلك أجابتنا الفنانة روعة العطار: “أحبّ أن تكون أعمالي متنوعة لتناسب الجميع، وأفضّل الخط الديواني لأنه مرن، وسلس، وأستطيع تطويعه مع الرسومات، وأركّز على الأشكال الهندسية كأشكال فقط”.
أمّا عن بدايتها مع الرسم، فأخبرتنا بأنها مذ كانت في الصف الثالث الابتدائي بدأت الرسم، واكتشف والدها موهبتها، وتدرّبت على الخط والزخرفة في مركز الشارقة للخط، وكانت تجد الوقت لذلك بين عملها كمدرّسة للمرحلة الابتدائية وحياتها العائلية، وتفرّغت للرسم والخط أثناء فترة “كورونا”، وترسم تشكيلاتها من دون تخطيط مسبق، فتنبع من الذاكرة رموز النوافذ الزجاجية السورية المعشّقة، وأشكالها، وتوظفها في لوحاتها، بينما تظل ناعورة مدينتها حماة تدور مع الترانيم والحروف.