رأيصحيفة البعث

الانتصار… بين معادلات الميدان والسياسة

بشار محي الدين المحمد    

كعادتها تحاول “إسرائيل” ومن خلفها قوى “الناتو” تقويض أي آثار إيجابية لأي انتصار تحققه قوى المقاومة في المنطقة، محرّكةً أبواقها التي تحاول التركيز على التداعيات والسلبيات التي هي بالنهاية نتيجة لأي حرب، وذلك بهدف تعميمها وطبعها في الأذهان.. لكن ليس في كل الأذهان.. فقط في تلك التي لا ترى أبعد من أنفها ولا تفقه ألف باء السياسة والوطنية.

فما حققته المقاومة الوطنية اللبنانية من صمود وضربات لجيش الاحتلال الصهيوني على جبهة شمال الكيان وعلى ثرى لبنان تعجز عنه جيوش جبارة، مهما امتلكت من منظومات امداد وإسناد وتكنولوجيا.. حققت المقاومة تهشيماً عميقاً لما تبقى من “نظرية الردع” الذي تمسك جيش حرب العدو بتسويقها عقوداً، والآن لا يصدقها حتى قطيع مستوطنيه الذي حتى الآن يخشون العودة إلى منازلهم التي نزحوا عنها حتى اللحظة، ورغم محاولة نتنياهو تسويق “نصر” يعتقد أنه حققه لهم أو ربما لمشروعه المهزوم.

وأمام تلك المصاعب الجمّة فإن مخطط تقويض آثار نصر المقاومة لا يشمل البروباغندا الإعلامية فحسب، بل لا بدّ من خطىً تصعيدية لمعاقبة أي دولة تتعاطف مع المقاومة وتثني على موقفها وتحتضن شعبها بكل ما أوتيت من إمكانات كوافد وضيف.

ربما يكون سيناريو إعادة تدوير “الربيع العربي” هو عود الثقاب الأخير الذي يمكن إشعال ما تبقى من حثالات وقطعان قواه الضلالية ضمن المنطقة، فهو المرجّح للطرح من مشغليه في “الناتو” و”الكيان”، بالتوازي مع اللجوء إلى مشروعهم القديم الجديد في غرس العقائد البديلة، والتي تعد الأخطر ضمن مشروع قيم الغرب المادية المصدّرة إلى الشعوب التي تخالفها في اعتناق الأيديولوجية، إذ يأتي اعتناق “التطرف” كعقيدة بديلة عن منظومة قيم التسامح الأصيلة لشعوب المنطقة وحضاراتها على سبيل المثال. وخطورة هذه العقائد البديلة هي الأعلى كما نعلم، فهي ليست مجرّد هجوم لجيش أو لعدّة جيوش بهدف غزو بلد آمن وقتل أبناء شعبه، بل استخدام لكل أدوات التضليل وشتّى أنواع التشويش لثني إرادة المقاومة، وغرس اليأس كأخطر معرقل لمستقبل الشعوب، ما يؤدي لتوجهها نحو الانهزامية كنتيجة كارثية تسهّل مشروع “الناتو” والصهيونية في الهيمنة على المنطقة ونهب ثرواتها ومصادرة قرارها.

إن هذا كله يحتّم على أبناء المنطقة مزيداً من الوعي، وكثيراً من التضامن مع قوى المقاومة والجيوش والقوى السياسية الوطنية، لترسيخ كل مراحل إعادة إعمار المنطقة، وضخّ الدماء الجديدة في كل ساحات وصُعد بناء الآفاق الأفضل، ولا تغفل أذهاننا أيضاً عن إعادة هيكلة الأفكار وتصفية القيم من كل شوائبها لبناء الفكر القادر على استشراف المستقبل، وخاصةً أن المخططلت والمكائد كبيرة، لكن تفنيدها وإفشالها بالتأكيد ليس بالمستحيل، لطالما أوجدنا ذاك الكم والنوع من الوعي والمنعة الوطنية.. ليس بالمستحيل مهما أُنفق من مليارات الدولارات، وأُفرغ من مستودعات وترسانات السلاح. مهما تعدّدت أذرع المشروع، وأُقحم فيها من أنواع الوحوش المصطنعة، وليس آخرها الوحش الأوكراني وتقنياته الوحشية والمافيوية ومسيّراته. وما النصر إلا صبر ساعة.