الشعر والقصة والموسيقا.. ثلاثة أقانيم إبداعية مجتمعة في “الميماس الثقافي”
حمص – سمر محفوض
لإقامة المهرجانات الأدبية والثقافية أهميّة خاصة في الارتقاء بالمجتمع الثقافي والحفاظ على الهوية الثقافية، حيث يتمّ خلالها استضافة شخصيات ذات معرفةٍ وحضورٍ متمكّن للمشاركة، وتقديم محتوىً أدبيٍّ ثقافيٍّ هادف، وهذا ما نجح فيه “مهرجان الميماس الأدبي” الذي نظّمه فرع حمص لاتحاد الكتّاب العرب على مدى أربعة أيام، تزامناً مع “أيام الثقافة السورية”، حيث تنوّعت فعاليات المهرجان ما بين شعرية وأدبية وفنية، بمشاركة مجموعة من الشعراء والقاصين والفنانين من مختلف المحافظات.
وتألق الشاعر أحمد الحمد عبر إلقاء نصوص شعرية وجدانية قصيرة نسبياً، حملت عناوين “محاذاة وهم” و”نخيل لا ينكسر” و”جدول الحلم والعيد”، واحتفت بغالبيتها بعوالم الشاعر الداخلية وانعكاسات التحديات اليومية، متمسكاً بالشعر كحبل خلاص بمواجهة الذات، بل ربما العالم بأسره.
وأضاءت الشاعرة أميمة إبراهيم بأسلوبها العميق والدافئ المهرجان بعدد من الومضات الشعرية التي حملت عناوين “ضيقوا ما شئتم علينا”، و”قلبي أنين قصب”، و”قلبي سراج في طريق الغربة”، معربةً خلالها عن حبها وتمسكها وارتباطها بمدينة حمص، واسطة عقد المدن السورية، وموطن الحنين لأبنائها الأوفياء لها الذين يقدرون معاني كلّ مكان من حناياها، مهما باعدت بينهم الجغرافيا وظروف الحياة ومصاعبها والملمات.
وجاءت مشاركة الشاعرة خديجة الحسن منسجمة مع إيقاع الحزن الذي ساد عناوين نصوصها الشعرية مثل “سؤال يراودني” و”كان ياما كان”، طارحةً أسئلتها حول الفرح والأمان في هديل الحمام، أو عبر حكايا الجدّة التي كوّنت ذاكرتها الأولى ووعيها ونافذتها على هذي الحياة.
لتصف قصيدة “البحر” للشاعر طالب هماش مفاعيل الغربة وانعكاساتها وحالة الضياع والألم الذي ألمّت بالإنسان السوري، والتي شبّهها بتلاطم أمواج البحر التي باعدت بين الأهل الأحبة عبر مياهه السحيقة وغياهب المسافات.
وكانت النقلة الوجدانية ماثلة خلال مشاركة الشاعر عبد الجبار طبل، ومشبعة بروح الوطنية والتمسّك بالانتماء بثلاث قصائد حملت عناوين “إلى أين” و”هما وطني” و”الفجر المسافر”، حملها عنفوان ذاته المجبولة بحب الوطن والأمل الأكيد بالمستقبل الأفضل لأبنائه البررة، والإيمان بالإنسان السوري الذي يبني الحياة والفرح أبعد من مقاس الظروف، وعلى إيقاع الأمل والانتصار.
ولم تخرج الشاعرة فتون الحسن عن إيقاع بقية الشعراء بقصيدة “نذر”، التي ضمنتها مكنونات روحها الأنثوية التي قدّمت في محراب الحب كل عهودها الصادقة، وفق سرد قاطع الهدوء وصخب هيج الدفء وسط برد المدينة.
لتسجل القصة القصيرة حضوراً مميزاً للترجمة في ثاني أيام المهرجان، الذي حمل طابعاً إنسانياً وسردياً واقعياً، حيث قارب الإفصاح حيناً وغرق في الرمزية أحياناً أخرى، وكان منحازاً للحوار الداخلي عموماً.
ومن واقعه الذي عاشه في موسكو أثناء الدراسة، نسج الكاتب والقاص الدكتور جودت إبراهيم قصتين، الأولى بعنوان “ليلة رأس السنة الجديدة” والثانية بعنوان “قطار المساء”، مقدماً لمحات إنسانية خاصة جداً، وبطريقة سردية شيقة وممتعة استحوذت على اهتمام الحضور، وساقت خيالهم بين الغربة والحنين، وبين الحب والشوق، وبين القوة والرغبة على بناء الذات والعودة إلى مصدر هذا الحنين، ولو بعد حين.
لتعتمد الشاعرة والأديبة غادة اليوسف بقصتها “ليلة الكرز المر” على التشويق والإثارة بخلق أجواء من المسرح الذهني للأحداث ومجرياتها، وتعرية الخلفيات النفسية والشعورية للعناصر وشخوص القصة في تداعٍ جميل على لسان “راشدة” الشخصية المحورية مع المحقّق في جنحة لم تتقصد ارتكابها، وكيف تتوه التفاصيل بين الخوف والحزن والأسى والرغبة في إظهار الحقيقة.
موضوع العبث بالساعة وبالتالي الوقت، على أهميته من المواضيع التي تخالج خيال الإنسان عبر مرّ العصور، وقد شارك القاصّ والمترجم حسين سنبلي بقصة مترجمة “الساعة” للأديب العالمي مارك توين، وتحكي قصة شاب تعطلت ساعة يده الجديدة الباهظة الثمن، وكيف فقدت شيئاً من معناها كلما امتدت يد الساعاتي لتعدل جزءاً منها، واصفاً انعكاسات الزمن القاسية علينا منذ نشأتنا الأولى وحتى نهاية حياتنا من دون إرادة منا.
الكثيرُ من الشاعرية المفعمة بالألم بين طياتها، ومشاعر الفقد والخيبة، مثّلت جميعها خلال مشاركة القاصّ فؤاد العلي، في عناوين “الحب لا يعيش في المياه الدافئة” و”أضناني الشوق” التي تحدثت عن فائض الألم الذي سبّبته نتائج الحرب، وما رافقها من سفر للشباب نحو المجهول أحياناً بهدف البحث عن فرص عمل، تاركين اللوعة والأسى في قلوب الأهل في مشهد مأساوي يحتاج التغيير عبر تحقيق ما ينقذ هذا الوطن من آلامه تلك.
بثّ الأمل والتفاؤل كان حاضراً أيضاً، بقصة إنسانية واقعية بعنوان “نورا” تحكي فيها القاصة الدكتورة لين غرير جانباً من رحلتها إلى دمشق مع سيدة لم تكمل تعليمها، وقد انغمست في هموم الأسرة والإنجاب من دون أي محاولة لبناء شخصيتها وكيانها كامرأة، أو تحقيق أي من آمالها وتطلعاتها، بمقارنة مع الطموح والتحصيل العلمي الذي يؤكد الشخصية الإنسانية ويرسخ حضورها ودورها وكيانها بالمجتمع، مع التنويه بأن ذلك ليس من شأنه بالضرورة أن يلغي دورها الأسري الخلاق بعيداً عن المفاهيم البالية التي تحاول تعطيل نصف المجتمع، بل كلّ المجتمع النابض بالحياة والعطاء.
البوح عن مكنونات العواطف والتنقل ما بين الأمل والخيبة والفرح والنكران والتحمّل والقوة والتحدي بالمواجهة والاستمرار، كلها مثلت بشكل ملفت في مشاركة للشاعر أسد الخضر، الذي استهل فعاليات اليوم الثالث من المهرجان بقصيدتين ذاتيتين بعنوان “طارئ من فرح”، و”مرايا الروح”، بينما طرح الشاعر إياد خزعل في “تساؤل” أسئلةً جديرة بالتوقف عن الحياة والوجود وفي “هويات قاتلة”، مستعيراً العنوان من كتاب أمين معلوف، ومتناولاً مفهوم الهوية بشكل شعري، وطارحاً الأسئلة الوجودية المهمّة بهذا الخصوص.
لينساب الشاعر حسن بعيتي، بعذوبة ملفتة شدّت انتباه الحضور عبر أبيات قصيدته التي حملت عنوان “شاعر القصيدة”، طيّر فيها أسراب عصافير الشعر وتغنّى بالحياة والحب والإشراق، لتتابع الشاعرة ريما خضر نشر البهجة بإلقاء بعض نصوصها الرشيقة والمفعمة بالحياة، مثل “على مر سنبلة”، و”طروادة” متماهية مع رسالة الشعر الخالدة.
ولم تغب عن الأذهان والضمائر معاناة وانتصارات أهلنا الأباة في غزة، وتضحيات الشعب الفلسطيني واللبناني على شكل غصة وعزيمة على مواصلة النضال لتحرير كامل الأرض ومنع ولجم هذا الوحش الصهيوني الخارج عن الإنسانية، فنادت قصائد الشاعر عبد الكريم عبد الكريم “عطش إلى خبر بعيد” و”أحلام طفل عربي” بالحق في المقاومة وبضرورة تعزيز مكانتها، لإعادة الحق المسلوب إلى أهله وأصحابه، ومنع كلّ ممارسات الاحتلال والقمع والقهر ورفض الظلم والعدوان، وتأكيد أن المقاومة هى الطريق الوحيد للتحرير ودحر المشروع الصهيوني الاستيطاني.
واختتم الأمسية الشاعر كنان محمد بقصيدته الوجدانية “من يقتل الطفل الذي في داخلي”، معلناً رفضه وتمرّده على الظروف التي تدفع به باتجاه الانكسار والتخلي عن المبادئ، والقيم الأصيلة، فانحاز كلياً لطيبته وإنسانيته، والمفاهيم العميقة التي تربى عليها وكوّنت شخصيتة وأفكاره.
وسجل الإبداع الموسيقي الراقي حضوراً مميزاً، في أغانٍ وطنية وتراثية وطربية أصيلة وراقية أطربت الجمهور، في اليوم الرابع والأخير للمهرجان، أحياها الفنان موفق الشمالي يرافقة الفنان فايز الشامي على الأورغ وجهاد الشرفلي على العود وضابط الإيقاع فادي الفحل وعلى الرق رائد العواني، بحضور جمهور مميز من المهتمين بالأدب والشعر والموسيقا.