اقتصاد الظل.. التنامي المتزايد يتطلب حلولاً لإدراج مواقع عمله ضمن المظلة الصناعية والاقتصادية
البعث – المحرر الاقتصادي
يأخذ اقتصاد الظل العديد من الأشكال التي تهدر ثروات البلد، وتدخل في مصالح تجار الأزمة، إلا أن ما يهمنا في هذا السياق يتجلّى في نشاط الأقبية، والتي انتشرت بشكل غير قانوني على نطاق واسع، في ظلّ اقتصاد مبعثر ومنفصل مناطقياً بدرجات متفاوتة، بسبب محدودية فرص العمل التي يمكن توفيرها، كما أن مشكلة عمل الأقبية، والتي تعدّ شكلاً مهماً من أشكال اقتصاد الظل، لا تخضع للأنظمة والقوانين، فالعاملون فيها غير مسجلين لدى مؤسّسات التأمينات الاجتماعية، ومعظم تلك الوحدات الإنتاجية غير مسجلة لدى الأجهزة الحكومية المختصة، وبالتالي يبقى إنتاجها خارج الحسابات الاقتصادية للناتج والدخل القومي، وخارج الإحصائيات الرسمية للدولة، والنقطة الأهم هي أن وحدات إنتاج السلع والخدمات التي تعمل في اقتصاد الظل بكل أشكاله لا تدفع الضرائب، وفي الوقت نفسه تستفيد من كلّ الخدمات العامة التي تقدمها الدولة.
ويؤكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن اقتصاد الظل يشوّه السياسات والبرامج الاقتصادية، حيث يصعب اتخاذ القرارات الصحيحة والمناسبة لتخصيص الموارد، وكذلك القرارات الاقتصادية الفعّالة والمؤثرة وإصدار التشريعات المناسبة عندما يكون حجم اقتصاد الظل كبيراً، وذلك نظراً لعدم دقة الإحصائيات والبيانات والمعلومات الرسمية، حيث تكون قيم الناتج والدخل والاستهلاك ومعدلات البطالة والتشغيل وغيرها غير صحيحة، إذ لا يتمّ حساب العاملين في وحدات اقتصاد الظل ضمن أعداد المشتغلين في الاقتصاد، وبالتالي فإن معدلات البطالة تظهر مرتفعة، كما يتسبّب اقتصاد الظل “الأقبية” بانخفاض درجة مصداقية كلّ المؤشرات والمتغيّرات الاقتصادية، ولا يمكن الاعتماد عليها في وضع السياسات والبرامج التنموية، ما يؤثر سلباً على القرارات وفعالية السياسات المتعلقة بالنمو والسياسة المالية “الإنفاق العام” والسياسة الضريبية والنقدية وسياسة التشغيل والبطالة ومعالجة التضخم وإعادة توزيع الدخل القومي.
ومن سلبيات عمل اقتصاد الظل “الأقبية” وجوده بعيداً عن الرقابة الفنية أو الصحية، وهذا يعني أن المنتج الذي تطرحه الأقبية في الأسواق لا يمكن الوثوق بجودته، حيث لا يخضع عمل الأقبية لأي شروط أو معايير للمنتج، وغياب الرقابة يفتح أمامها سبلاً كثيرة للتلاعب بالمواد الأساسية للسلع، ما يؤدي إلى انخفاض مستوى الكفاءة ونوعية السلع المنتجة، وقد تمّ كشف حالات عديدة من الغش في عمليات التصنيع الغذائية كالألبان والأجبان وغيرها، كما ساهمت منتجات الأقبية بتشويه الأسعار، حيث قدّمت منتجاتها بأسعار تنافس السوق دون الالتزام بالمواصفات الفنية أو المعايير الصحية.
يرى البعض أن لاقتصاد الظل بعض الآثار الاقتصادية والاجتماعية الإيجابية التي تتمثّل بامتصاص جزء من قوة العمل، وبالتالي المساهمة في تخفيف حدة البطالة، حيث يؤكد هؤلاء أن عمل الأقبية يخلق فرصة أمام بعض شرائح المجتمع لزيادة دخلهم، ويرون أن اقتصاد الظلّ أكثر مرونة على التكيّف مع الأزمات والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتغيّرة، وأكثر ديناميكية في تجنّب الإجراءات التنظيمية، وأكثر قدرة على الاستجابة للتغيّرات في الاقتصاد مقارنة بالاقتصاد الرسمي، لأنه يشكّل عامل امتصاص وتخفيف للاحتقان في فترات الانكماش والأزمات الاقتصادية والحروب، كما يوفر اقتصاد الظل الكثير من السلع والخدمات التي تلبي احتياجات المجتمعات المحلية والتي قد لا يوفرها الاقتصاد الرسمي أو قد تكون أسعارها مرتفعة.
إن حساسية وخصوصية المرحلة الاقتصادية الحالية تتطلّب مزيداً من التدقيق في تقاصيل اقتصاد الظل، والبحث عن حلول لإدراج مواقع عمله، وخاصة الأنشطة الصناعية المتزايدة في الأقبية، ضمن المظلة الصناعية بكافة قوانينها والإجراءات التي تجعل منها قوة اقتصادية دافعة للاقتصاد الوطني.