هل ستبدأ الحكومة بإقرار الآليات الفعالة لتنمية المشروعات الصغيرة؟
علي عبود
ليست المرة الأولى التي تُقام فيها فعالية بحضور الحكومة للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لكن ما مرة ترجمت فيها الحكومات السابقة وعودها وأقوالها إلى أفعال، فلا تزال هذه المشاريع مهمّشة، وتعرقل قيامها وانتشارها وعملها الكثير من الأنظمة والقرارات النافذة، رغم أهميتها البالغة في اقتصاديات معظم دول العالم بما فيها الكبرى والعظمى. ونأمل أن تكون فعاليات أعمال ورشة “واقع سوق التمويل للمشروعات المتناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويره” التي انعقدت يوم 23/ 11/ 2024 البداية الفعلية للاهتمام الحكومي بهذا القطاع الاقتصادي الذي يوفّر فرص العمل لآلاف الأسر والشباب، ويساهم بنسبة عالية في النمو الاقتصادي.
وبما أن من أقام الورشة جهات حكومية (مصرف سورية المركزي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية)، فإننا نتوقع أن تستأثر المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة باهتمامات الحكومة، وتحديداً رئيسها الدكتور محمد الجلالي، وأن تُرصد لها الاعتمادات اللازمة والكافية في الموازنات العامة للدولة من جهة، وتُعدل القوانين والأنظمة التي تعرقل عملها من جهة ثانية، والأكثر أهمية أن توفر لها الحكومة التسهيلات والمحفزات والإعفاءات، مثلما فعلتها الحكومات السابقة مع المشاريع الضخمة التي ينفذها كبار رجال الأعمال وحيتان المال!.
ما دور المصرف المركزي؟
كان عنوان الورشة “نحو إطار تمويلي نشط ومحفّز لتنمية المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة”، وهدفها التعرف على واقع سياسات التمويل الصغير والأصغر في سورية، والإجراءات المتخذة من الحكومة لتنفيذها والدور الذي يلعبه مصرف سورية المركزي في تيسير وصول أصحاب المشروعات إلى مصادر التمويل اللازمة من القطاع المصرفي.. إلخ.
والسؤال: ما دور المصرف المركزي بتسهيل عمل أصحاب المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة؟
لا شكّ أن للمصرف دوراً كبيراً في هذا المجال من خلال ما يصدره من قرارات وتعليمات وآليات تتيح لرواد الأعمال الحصول على التمويل اللازم من المصارف بسهولة وبشروط ميسّرة، وبصفر فائدة أو لا تتجاوز الـ 3% مثلاً، تسدّد بعد دخول المشروع مرحلة الإنتاج.. إلخ.
آليات التمويل غير مشجعة!
لقد تحدث الكثير من المشاركين عن الصعوبات التي تواجه أصحاب المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر بالحصول على التمويل، ما يطرح سؤالاً لم يجب عنه أحد من أصحاب القرار في القطاع المصرفي: ما أسباب عدم منح التسهيلات المصرفية لرواد أعمال المشاريع الصغيرة أسوة بأصحاب المشاريع الكبيرة؟.
لقد أكد حاكم مصرف سورية المركزي محمد عصام هزيمة أن الغاية الرئيسية من هذه الورشة هي الوقوف على الإشكاليات التي تعترض نمو المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة، والوصول إلى توصيات تشجّع إقامة هذه المشاريع وتوسعتها، وعرض كلّ المقترحات والملاحظات المتعلقة بالقطاع التمويلي للمشروعات، لكنه لم يكشف عن أيّ خطط أو آليات سيعمل عليها المصرف لتسهيل تمويل المشاريع الصغيرة، خاصة وأنه أكد على دورها في تحقيق النمو بالاقتصاد الوطني.
وفي هذا السياق فإن المعلومات التي كشفت عنها المدير العام لهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة أكدت بأن آليات التمويل لا تشجّع على تنمية وتحفيز المشاريع الصغيرة، فقد بيّنت العيّنة التي درستها الهيئة وجود تجربة غير ناجحة للمشروعات في الحصول على خدمة التمويل من المصارف، حيث 10% فقط حصلوا على التمويل سابق/ حالي، و20% تقدموا بطلبات وهم في طور الحصول على التمويل، في حين أخفق 41% من إجمالي العيّنة بالحصول على التمويل، ولم يتقدم 29% منهم بطللب بعد!.
السؤال بطبيعة الحال: هل قامت الحكومة بدراسة الصعوبات التي تحول دون تقديم خدمات التمويل المصرفي للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر؟.
التقليل من معدلات الفقر
ولو كانت الحكومات السابقة جادة بأقوالها المتكرّرة بمساعيها لتنمية المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، وبأنها كانت تعتبرها مهمّة في ظل التداعيات التي خلّفتها الحرب، وبأنها تؤثر في القطاع الاقتصادي والاجتماعي… إلخ، لترجمتها إلى أفعال من خلال تذليل الصعوبات وتحديداً أمام التمويل المصرفي لهذه المشاريع.
ربما، المشكلة كانت دائماً بكون الحكومة لم تتعامل مع المشاريع الصغيرة بأنها تشكّل نسبة كبيرة من قطاع الأعمال الخاص في سورية، أو بالأحرى لم تُصنّفها كقطاع خاص، ونظرت إليها كاقتصاد ظل، وخاصة وزارة المالية.
خارج خطوط الفقر
وبما أن مديرة هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة اعتبرت أن قطاع المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة “شرطاً أساسياً لضمان تحقيق التعافي الاقتصادي والاجتماعي وتنشيط دوران العجلة الاقتصادية نظراً لما تتمتع به تلك المشروعات من مزايا لعلّ أبرزها التقليل من معدلات الفقر”، فهل ستغيّر الحكومة في المستقبل القريب نظرتها إلى قطاع المشاريع الصغيرة وتوفر له خدمات التمويل المصرفي، والتسهيلات والمحفزات التي تتيح زيادة فعاليته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟.
نعم، نؤيد تماماً ما قالته مديرة الهيئة بأن “جميع أصحاب المشروعات خارج خطوط الفقر”، كما أنها تزيد من الإنتاج وتوفر مواد تصديرية بما ينعكس إيجاباً على الليرة السورية، وبأن المشروعات الصغيرة تُشكل نوى للمشروعات الكبيرة.
التزام حكومي
وبما أن أساتذة الاقتصاد يؤكدون أهمية المشروعات الصغيرة بتأمين فرص العمل وبتوفير سلة متنوعة من السلع للسوق المحلية البديلة للمستوردة، بل وإمكانية تصدير الكثير منها، فقد كان السؤال الدائم على مدى السنوات الماضية: لماذا لم تقم الحكومات السابقة بدعم أصحاب المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة؟.
يبدو أن الحكومة الحالية قرّرت تغيير الواقع الراهن، فقد أكد رئيسها محمد الجلالي، خلال الكلمة التي افتتح بها الورشة، التزام الحكومة بتنمية المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة باعتبارها تشكل رافداً أساسياً، إضافة إلى الروافد الأخرى في تنمية الاقتصاد الوطني، ورأى أن “هذا النوع من المشروعات يستقطب عدداً كبيراً من الأيدي العاملة، وبالتالي يساعد في حلّ مشكلة البطالة، كما أن تنمية هذه المشروعات لتصبح متوسطة ومن ثم كبيرة تؤدي أيضاً إلى تحقيق أقصى استفادة ممكنة من التنوع الكبير للنشاطات الاقتصادية في سورية”.
وبما أننا نتوقع أن تقوم وزارة الاقتصاد بالتنسيق مع المصرف المركزي استناداً إلى توصيات الورشة بوضع آليات محفزة ومشجعة لتفعيل عمل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، فالسؤال: هل ستترجم الحكومة في اجتماعات مجلس الوزراء القادمة هذه الآليات إلى قرارات ملزمة للمصارف ولمؤسّسات التمويل الصغير؟
البداية السريعة
من المبكر انتظار نتائج عملية لورشة المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة في الأمد القريب لناحية تذليل الصعوبات التي تواجهها، ولاسيما ما يتعلق منها بآليات التمويل الميسّرة، أو تعديل الأنظمة التي تعرقل قيامها وخاصة الجهات المتعدّدة التي تشرف عليها والتي لا تزال تُصنّفها كاقتصاد ظل.. إلخ، لكن يمكن للحكومة أن تباشر من خلال اجتماعات دورية لمجلس الوزراء بإقرار تدريجي للآليات الفعّالة لتنمية هذه المشروعات، وأن تبدأ بإجراء سريع وفوري فتصدر قراراً يُلزم وزارة التجارة الداخلية بتخصيص أقسام في صالاتها لبيع منتجاتها أسوة بما تفعله مع كبريات شركات القطاع الخاص!!