أردوغان الخاسر الوحيد
علي اليوسف
ما يشهده الشمال السوري ليس إلا جولة جديدة انتقلت في أطوار ومراحل بداية الحرب الإرهابية الكونية على سورية، منذ عام 2011، ففكرة تغيير الشرق الأوسط لم تتغيّر، والعرابون لم يتغيّروا، بل كل ما كان في ذاك الطور إعادة ترتيب الأوراق التي شرع نتنياهو بإعلانها انطلاقاً من معركة غزة بعد فشل مشروع ما يُسمّى “الربيع العربي” على أعتاب سورية. فقد اعتقد عرابو الفوضى أن انطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد بدأ منذ اغتيال قادة المقاومة، وكأنّ المقاومة قائمة على أشخاص وليس على فكر متجذّر في العقيدة المقاومة.
في كلّ هذا الطور، كان أردوغان يرسل الوساطات للمصالحة، وكان إعلامه يضخّ تسريبات عن أوراق للانسحاب من الأراضي التي احتلها في سورية، لكن الواقع أنه كان يدّخر “جبهة الشمال” لما بعد غزة ولبنان، فالأتراك كانوا يتابعون حرب غزة ولبنان من الشمال السوري، استعداداً لنقل المعركة إلى حلب تحت عنوان الخيانة والطعن واللعب على الحبال. اليوم دخلت تركيا الأردوغانية بثقلها ضد الدولة السورية معلنةً انتهاء مرحلة المراوغة بعد أن لاحت في الأفق عودة ترامب، وكأنّ أردوغان يقدّم أوراقه كوريثٍ شرعي في مناطق “قسد” العميلة وشمال سورية، لذلك فإن ما تشهده حلب والشمال السوري عموماً لا شكّ أنها أحلك لحظات الحرب، لأن كلّ ما ادّخره أردوغان لهذه المواجهة سيخرج إلى الساحة التي كان لا بدّ من أن تصل إلى هذه اللحظة، لأن بقاء “جيب إدلب” وتموضع تركيا عبر التنظيمات الإرهابية في الشمال لم يكن لإنهاء الحرب، بل كان استعداداً للمعركة التي انكشف فيها، وتبيّن أن الهدوء والمحادثات هي أسلحة حرب، لكنها – في علم السياسة – مفيدة في هذه اللحظة التاريخية، لأنها يجب أن تنتهي بنصر مؤزّر ونهاية المشروع العثماني، فأنصاف الانتصارات، وأنصاف الحلول، وحتى أنصاف عمليات التحرير، باتت غير مقبولة بعد انكشاف الغطاء عن النوايا، وهذا ما سيكون عليه القرار السوري: حرب حتى النصر وإخراج كلّ الخيارات الإستراتيجية التي كانت مخبّأة لهذه اللحظة.
القرار واضح وصريح، وهو لن تتوقف المعركة إلا على الحدود التركية. صحيح أن الوضع عاد إلى فترة عام 2015، ولكن مع اختلاف المعطيات على الأرض ومع اختلاف المعطيات اللوجستية، فالإرهابيون متجمّعون في مكان واحد، ولذلك فإن عملية إنهاء الإرهاب أسهل بكثير، والأهم أن تركيا لن تكون قادرة على لعب الدور التخريبي السابق، إلا إذا قرّر أردوغان دخول المعركة مباشرة، لكن عليه أن يعرف أن ثمناً باهظاً سيدفعه، ولنا في تنبؤ سكوت ريتر الخبير الأمريكي: “الخاسر الوحيد من هذه المواجهة الحمقاء هي تركيا، وأردوغان” أكبر دليل.
فلتكن هذه الأيام فترة حسم الملف نهائياً، بل حركة تصحيحية لما كان يجب أن يتمّ في عام 2018، فحجم الغضب لدى الشارع السوري يبعثُ على الاطمئنان، وهناك حماس منقطع النظير للقتال والانتقام من هذه الحركة الغادرة التركية في الظهر من ابن ثقافة الانكشارية والعقل التركي اللصوصي.