دراساتصحيفة البعث

القرارات الأمريكية تهدد بتوسيع الصراع في أوكرانيا

عائدة أسعد

في 15 نيسان 2022، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين أبلغ حلفاء واشنطن الأوروبيين أن الولايات المتحدة تعتقد أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا سيستمر حتى نهاية عام 2022، ولكن ما تجدر الإشارة إليه هو أنه لا تزال هناك نهاية في الأفق حتى مع احتفال العالم باليوم الألف للصراع والذي صادف يوم الثلاثاء الماضي.

ويشعر الناس بقلق متزايد من أن التصعيد الشديد للصراع قد يؤدّي إلى حرب أوسع، أو حتى حرب نووية بعد قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن بالسماح لأوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أمريكية الصنع لضرب عمق الأراضي الروسية، وإرسال ألغام أرضية مضادة للأفراد إلى أوكرانيا، علماً أن الألغام الأرضية المضادة للأفراد محظورة بموجب معاهدة دولية وقعتها 164 دولة، بما في ذلك أوكرانيا.

ويُنظر إلى القرار الجذري الذي اتخذه بايدن قبل شهرين فقط من مغادرته البيت الأبيض على أنه غير مسؤول، وقد انتقده حلفاء الرئيس المنتخب دونالد ترامب بشدة بسبب المخاطرة بالحرب العالمية الثالثة.

إن أوكرانيا لم تضيّع أي وقت في إطلاق صواريخ ATACMS يوم الثلاثاء الماضي على المنشآت العسكرية الروسية في بريانسك، مما دفع روسيا إلى الإعلان عن ردّ قويّ، وهذا بدوره دفع إدارة الولايات المتحدة إلى إصدار أمر بإغلاق سفارتها في كييف تحسباً لضربات جوية روسية محتملة، كما فعلت إيطاليا وإسبانيا واليونان الشيء نفسه.

وقد جاءت قرارات بايدن أيضاً بعد وقت قصير من اتصال المستشار الألماني أولاف شولتز بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الهاتف في 15 تشرين الثاني، وهي المكالمة التي أحيت الآمال في استئناف الدبلوماسية، التي تشتد الحاجة إليها للمساعدة في إنهاء أزمة أوكرانيا.

وتجدرُ الإشارة إلى أن محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا في ربيع عام 2022 كانت تسير على ما يرام حتى أوقفتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي حين أنه من المستحيل العودة بالزمن إلى الوراء، كان من الممكن تجنّب الصراع في المقام الأول في حال لم تتجاهل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، في ردودهما على بوتين في كانون الثاني 2022، المخاوف الأمنية الروسية بشأن التوسّع الشرقي لحلف شمال الأطلسي، ونيّة الغرب قبول أوكرانيا في الحلف.

وإذا أثبتت الأيام الألف الماضية أي شيء، فهو أنه لا يمكن حلّ النزاعات في ساحة المعركة، ولا يمكن إلا أن تسبّب الحروب المزيد من الوفيات والدمار، وهذا ليس صحيحاً فقط بالنسبة لروسيا وأوكرانيا، اللتين تكبّدتا خسائر فادحة، ولكن أيضاً بالنسبة لبقية العالم الذي أصبح ضرراً جانبياً للصراع.

لقد فشلت العقوبات الاقتصادية المشلولة التي فرضتها القوى الغربية على روسيا، بما في ذلك إغلاق المجال الجوي أمام طائرات الركاب التابعة للجانب الآخر، في إنهاء الصراع لأن أكثر من 140 دولة رفضت دعم مثل هذه العقوبات الأحادية الجانب. ومع ذلك، أدّت العقوبات إلى تعطيل التنمية الاقتصادية العالمية، والتعافي والتي كانت مطلوبة بشدة بعد ثلاث سنوات من جائحة كوفيد-19.

وحقيقة أن شولتز تحدث مع بوتين عبر الهاتف تظهر أن بعض القادة الأوروبيين أدركوا فشل إستراتيجية تجنّب الدبلوماسية خلال العامين الماضيين، فقد أكدت كلّ من ألمانيا وإيطاليا أنهما لن تحذوا حذو الولايات المتحدة في رفع حظر الصواريخ على أوكرانيا، بينما أدان زعماء المجر وسلوفاكيا قرارات بايدن.

وقد تغيّرت المشاعر العامة في أوكرانيا أيضاً، فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” هذا الأسبوع أن 52٪ من الأوكرانيين في المتوسط ​​يرغبون في رؤية بلادهم تتفاوض على إنهاء الصراع في أقرب وقت ممكن، ويعتقد 38٪ فقط أن بلادهم يجب أن تستمر في القتال حتى تخرج منتصرة، بانخفاض عن 73٪ في استطلاع عام 2022.

كما أظهر تقرير صادر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية مؤخراً أن الأوروبيين، بشكل عام، يميلون إلى الاعتقاد بأن أوكرانيا لن تكون قادرة على هزيمة روسيا في ساحة المعركة، ويزعم البعض أن تحركات بايدن الأخيرة قد تخلق وضعاً أكثر ملاءمة لأوكرانيا، لكن دونالد ترامب وعد خلال حملته الرئاسية بأنه سيجبر على تجميد الصراع بعد توليه منصبه.

لن تكون أي محادثات سلام مستقبلية بين روسيا وأوكرانيا سهلة نظراً للاختلافات الحادة بين الطرفين، وذلك عدا عن تدخل الغرب بقيادة الولايات المتحدة، ولكن من خلال تصعيد الصراع بتوريد المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا، والسماح لها باستخدام الصواريخ بعيدة المدى المصنوعة في الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة لا تعيق الدبلوماسية عن لعب دورها في الوساطة من أجل السلام فحسب، بل إنها تخلق أيضاً وضعاً من شأنه أن يؤدّي إلى فقدان المزيد من الأرواح وتدمير المزيد من الأصول على الجانبين.