هلّتْ..
عبد الكريم النّاعم
دخل صديقه بوجه يشعّ منه نور الارتياح، والنشاط، ودون مقدّمات قال:” هل نستطيع القول هلّتْ البشائر”؟
أجابه: “فرحي ليس أقلّ من بهجتك، في زمن عزّت فيه الأفراح، حتى نسيناها، وأقول نعم بحذر”.
قال: “لا تُفسد علينا هذه اللحظة”.
أجابه: “أنا لا أسعى إلى إفسادها، ولكنْ علّمتني التجارب، كآخرين، أنْ أتريّث مقلّبا الاحتمالات، وما قد يحدث، فنحن ما زلنا نواجه المشروع الصهيو أمريكي الأطلسي في المنطقة، وأشعر باعتزاز كبير بما فعلتْه المقاومة، وداعميها، فبعض الدعم الذي لم نعرف تفصيلاته كان له الأثر النوعي في الوصول إلى هذه النتيجة، ولكي نُدرك ذلك ما علينا إلاّ تصوّر فقدان هذا الدعم لكي نتبيّن آثاره، والتي ستظهر بوضوح أكبر في قادمات الأيام”.
قاطعه: “هل أستطيع القول بأنّك ربّما تبالغ في حذرك”؟
أجابه: “نحن منذ مئة عام ونحن في مواجهة لم تنقطع إلاّ لتبدأ من جديد، ولئن كان هذا يُحسب لصالح مبدأ المقاومة، فإنّ ما لا يجب أن نغفل عنه أنّ عدوّنا شديد الخبث والمراوغة، فلقد تنكّر الغرب في العديد من المواقف للإعلانات، والبيانات، بل وحتى الاتفاقيات حين لم تكن في خدمته، والشواهد كثيرة، ولعلّ أخطرها أنّه استطاع أن يجرّ عدداً من العواصم العربيّة والإسلامية إلى مواقع يجعلها، في أحسن التقييمات، مُكبّلة، بل ولا تتردّد في تلبية رغباته.
لا شكّ أنّ هذه المعركة، التي استمرّت أكثر من عام بين قوة إسرائيلية، مدعومة دعماً لا حدود له من عواصم الغرب المتصهينة،.. هذه المعركة كانت بين فصائل مقاومة، وهذه الجيوش الجرارة التي تملك من أسلحة وأسباب الدمار ما يشلّ قدرات قوى كبرى، وكان ذلك بفعل التخطيط الدقيق للمقاومين، والبسالة النّادرة، وتوقّف إطلاق النار جاء، وما زالت المقاومة تمتلك ما تمتلك، وهو الذي أجبر هذه العواصم على اتخاذ هذا القرار، وسيكون لذلك ما بعده دون شكّ.
قاطعه: “لقد أحبطتَ فرحتي”.
أجابه: “أنا لستُ أقلّ فرحاً واعتزازاً منك، ولكنّني، من خلال مراجعتي للأحداث السابقة، أتحفّظ قليلاً، لأنّ عدوّنا شديد الدّهاء، وأخشى أن يتمكّن من إحداث خرق ما، كما جرى أثناء حرب تشرين 1973، والتي لولا غدر السادات لكان للمنطقة وجه آخر، وفيها تمكّن المقاتل العربي من اجتياز خطّي بارليف وآلون، واللذين أُعدّا ليكونا حاجزين يستحيل اجتيازهما، فاجتيزا ببطولة نادرة، فكان الخلل في قيادة عليا، وأنا لا أثق بمواقف قيادات الغرب المتصهين، وأدرك أنّ صمود المقاومة الأسطوري هو الذي أجبر الدولة العميقة في الغرب على ما أعلنه، وهذا يعيد التأكيد على أنّ المواجهة وحدها هي السبيل لنيل الحقوق، والآن ستبدأ مرحلة جديدة تنطلق من أنّ المفاوضات تبدأ من واقع القدرة على إيلام العدو.
علينا انتظار ما خلّفته الحرب في واقع المجتمع الصهيوني المحتلّ، وهذا قد يحتاج لبعض الوقت، لأنّ هؤلاء المحتلّين لأوّل مرة يواجهون حرباً تٌقصف فيها مدنهم، من شمال الجليل حتى ما بعد تل أبيب، وتشتعل النار في بيوتهم، وفي ثكناتهم، وفي مطاراتهم، ومواقع شبكات الأمن، وينزح سكان الجليل بكاملهم ليعيشوا في الفنادق، وفي أماكن الإيواء، ويقيمون ساعات وأيام في الملاجئ، هذه النتائج قد تتأخّر قليلاً، وستسعى قيادات العدوّ للتخفيف من هذه الكارثة، تحسّباً لهجرات معاكسة باتجاه الغرب، وخاصة من قِبل من يحملون أكثر من جنسيّة.
علينا أن ننتظر، وها أنت ترى تحرك الأعداء العسكري في ريفي حلب وإدلب، جاء تالياً لوقف إطلاق النار في الجنوب، مدعوماً من قوى مرتبطة بالمشروع الأمريكي الصهيوني، وهو أكبر دليل على أنّ المعركة ما زالت متأججة..
aaalnaem@gmail.com