فاديا قراجة: أكتب عن كل الأبواب المغلقة والمواربة
حمص- عبد الحكيم مرزوق
أصدرت القاصة فاديا عيسى قراجة خمس مجموعات قصصية ورواية واحدة، ولديها مخطوطات تنتظر الطباعة، وتقول إنها لا تزال تبحث عن كلّ جديد يضيف إلى تجربتها الثراء الفكري والأدبي، ويضعها في الموضع الصحيح.
وفي لقاء “البعث” معها حدثتنا بداية عن كيفية تلمّسها طريقها نحو القصة بقولها: “على الرغم من بساطة السؤال، يبدو لي أنه من أصعب الأسئلة، وكل ما أعرفه أنني كنت أكتب قصصي على سطوح البيت في مرحلة الابتدائي، بعد ذلك على دفاتر ما تزال معي، ربما الوحدة، أو إحساسي العالي بالأمكنة، وشغفي بالتعبير عن أفكاري لكن بطريقة صامتة، ولّد لديّ هذا الكائن الجميل المسمّى قصة قصيرة.
وعن سبب اختلافها عن أبناء جيلها بتقنيات التعبير أجابت: “أتمنى أن أكون قد حقّقت هذا الشرط في كتابة القصة، عندما نضجت أدواتي إلى حدٍّ ما كان يجب أن أستخدم تقنيات مختلفة، وطرائق متنوعة في كتابة القصة القصيرة، ومنها الاستعانة بالموروث المحكي الغنيّ بالسرد والأحداث، وأكثر ما قيل في فن الحكاية أهمية، وأعني هنا كتاب “ألف ليلة وليلة” الذي استعان فيه كبار أدباء العالم، فهذا تراثنا فلماذا لا نستعين فيه ونعمل على تشريحه وإعادة إنتاجه بما يتناسب مع عصرنا وحياتنا، شريطة ألّا نكرر تجاربنا أو تجارب من سبقنا، ومن هنا بدأت مرحلة التنويع التقني مثل التقطيع، والاستفادة من التجربة الصوفية الغنية والمبهرة، هي أحجية جميلة تجعلنا نغوص ونتورّط في هذا الفن الساحر، فالقراءة والاستفادة ممن سبقنا هو ما يُسمّى التأسيس لشيء اسمه البصمة الخاصة لكل مبدع.
ورداً على سؤال “تتسم قصصك بالجرأة في دخول بعض الجوانب الساخنة المحرّمة في عالم القصة، هل هي مقصودة أم تأتي عفو الخاطر؟”، أجابت: “لا يمكن للكتابة أن تكون عفو الخاطر إلا في البدايات الغضّة، حيث تكتب عن حبك الأول وهمومك الصغيرة، أما عندما يصبح الأدب رسالة وأنت مؤمن بها، عندها ستخوض وتعبر كل المفخخات من دون خوف أو مراعاة للرقيب، وإلا أنت تحابي هذا وذاك، فالواقع الذي أمامي يتجلّى فيه الكبت والنفاق بأشنع صوره، فهل أكتب عن الفضيلة وبطريقة لا أخدش حياء من كان سبباً بخدش حياء المرأة والرجل بآن معاً، لذلك أكتب عن كلّ الأبواب المغلقة والمواربة، الأمر الأكثر أهمية في القصة أن تكتب وأنت تقتل الرقيب في رأسك”.
وفيما إذا كانت نصوصها وشخوصها تشبهها، تقول قراجة: “إلى حدّ كبير.. فالصدق والصراحة وعدم مجاملة أيّ كان على حساب قناعاتي ومثلي، هي صفة خسرت بسببها الكثير وما أزال أخسر”، وحول التمرّد الذي يصفها البعض به، توضّح: “التمرّد هو يشبه الاختلاف في بلاد يحترم فيها المبدع، أما التمرد في بلادنا فهو الجنون بالمعنى السلبي للكلمة، فكيف إذا كانت المتمردة أنثى؟ نعم أنا متمردة على سطوة الذكور، متمرّدة على قوانين تبيح للرجل ما تحرّمه على المرأة، وتعدّه جريمة تُعاقب عليها، متمردة على ما شُبّه لهم بأنه أدب وهو لغو وتسطير كلمات جوفاء، لذلك وصفتني بعض العقول المتحجرة بالمحرِّضة والفاشلة وربما الفاسقة، وهذا يسعدني، ربما تستغرب، عليك أن تعرف أنك كلما خلخلت السائد في العقول الجمعية، كلما قذفوك بحجارتهم، وهذا يعني أن أفكارك قد اخترقت قناعاتهم وهذا سرّ النجاح”.
وعن كيفية رؤية وظيفة الرواية قالت: “الرواية ما أجملها من رفيقة تبقى عندك أطول فترة ممكنة، وهي تعطيك من روحها وأسرارها، وتصبح الهاجس الجميل الذي يعيد إليك شغف الكتابة، الرواية هي أم التفاصيل، تستطيع من خلالها كتابة أو إعادة إنتاج أي تاريخ وللرواية مهمّة السير بك في أروقتها، وكشف أوراق أكل عليها الزمان، الرواية حكاية طويلة بعوالم سحرية تعيد تشكيل اتجاهاتك وقناعتك، وهنا أتحدث عن الرواية الحقيقية، وليس هذا الهراء الذي تقذفه بعض المطابع تحت مسمّى المصالح والعلاقات، الرواية الحقيقية هي التي تغيّر القوانين والتشريعات، والعادات، الرواية عالم لا متناهٍ من السحر والدهشة وحبس الأنفاس، فهل أصل إلى هذا المقام وهذه المكانة؟ لكن في المحصلة علينا ألا نبتعد عن الحب الأول، القصة.
وعن نظرتها للمسابقات والجوائز التي فازت فيها وهل هي شهادة لكونها قاصة أم روائية؟، قالت: “لا أنكر أن للجائزة وقعها الجميل في نفوسنا، وهناك مسابقات محترمة محفّزة، وأعتقد أنها ظاهرة صحيّة، نختبر بها أنفسنا وإمكانياتنا.. الجوائز تراكم المسؤولية لكي تثبت بأنك قاص وروائي، فما قبل الجائزة لا يشبه ما بعد الجائزة، فأي استرخاء هو الترهل وأي اطمئنان هو الكسل، وأي غرور هو السقوط، والكتابة والجوائز يحتاجان إلى التجدّد وضخ الدماء الجديدة في سطورك وذلك عبر القراءة، والقراءة والقراءة”.
وعن شعورها حين تكتب القصة أو الرواية قالت: “سأحدثك عن رواية مرج الزهور وقد أخذت مني ومن عواطفي وذاكرتي الشيء الكثير، خاصة وأنني كتبتها عن قريتي، فقد بقيت سبع سنوات أكتب وأشطب، وأعيد وأزيد.. فهذه قريتي التي عشقتها وكنت أزورها كسائح تبهجه وتدهشه كل التفاصيل، وتبلورت الفكرة في رأسي وجلست مع كبار السن في القرية، وكانت سياحتي غنيّة، ولم أتمنَ الانتهاء من كتابتها ولا أخفيك بأنني بكيت في أكثر من تفصيل، وحالما انتهيت منها أحسست أنني فارقت روحي، ففي كتابة الرواية تنشأ علاقة حميمة بينك وبين كل تفصيل من مكان وزمان وأشخاص، والكتابة هي فعل ثقافة وحب، ففي كل تجربة سواء فاشلة أم ناجحة هناك تطور في منظورك للأشياء، بل تزداد جرأتك على خوض كل ما يتعلق بالتجربة، في كل كتاب أصدرته كنت أشعر بأنني مخطئة في مكان ما، وهذا شيء صحي كي يدفعني إلى تلافي الأخطاء.
وفيما إذا ترجمت فاديا الحب عملياً في القصة أو الرواية قالت: “لا يمكن أن نكتب من دون الشعور بالحب، كما قلت سابقاً “الكتابة فعل حب”، فعندما يحبك وطنك، ويقدّر تجربتك، ويهتمّ بك سوف تعطيه الحب والولاء والإبداع، أتحدث عن المبدع الحقيقي، وعندما تقع في حب الشريك سوف تستلهم أجمل التجارب وتعطي بطاقة مضاعفة، وبالنسبة إليّ الحب ألهمني أجمل القصص، ولا بدّ من أن أذكر قصة من قصصي وهي “أربع طرق لقتلي” فقد كانت العلامة الفارقة في تحوّل قصصي من السرد العادي إلى التحليق في القصة، وهذا ليس رأياً أفرضه، بل رأي من تناولها بالنقد، وقد كتبتها تحت تأثير الحب”.