اقتصادصحيفة البعث

“الإشراف على التأمين”: مشروع “البصمة الإلكترونية” بعد “القصاصات”.. ووفورات بالمليارات لصالح الأدوية المزمنة

البعث – قسيم دحدل

بعد أن تمكنت هيئة الإشراف على التأمين من تحقيق وفر مالي يصل لمليارات الليرات، نتيجة تطبيق طلب قصاصات علب الأدوية، وعكست هذا الوفر لصالح المؤمن عليه حامل بطاقة التأمين الصحي من خلال زيادة السقوف المالية لتغطية الأدوية المزمنة، ها هي اليوم تقترب من إنجاز تطبيق مشروع “البصمة الإلكترونية” الهادف، كما القصاصات، إلى ضبط قطاع التأمين الصحي وتحقيق المزيد من الوفورات المالية التي ستتضاعف حكماً نتيجة لتضاعف تضخم أسعار الأدوية وأجور الخدمات الطبية والصحية.. كل هذا وغيره تحقق من خلال ضبط حالات سوء الاستخدام لبطاقة التأمين الصحي، سواء من قبل المؤمن عليه أو من قبل مزودي الخدمات الصحية، وفي هذا السياق كشفت الهيئة عن معاقبة العديد من مزودي الخدمات (مشافٍ وأطباء ومراكز أشعة ومخابر تحاليل وصيادلة)، نتيجة لارتكاباتهم المخلة بأنظمة التأمين الصحي وخاصة المالية.
هذا ما أكده الدكتور رافد محمد، مدير عام الهيئة، لـ “البعث”، لافتاً إلى أن التأمين الصحي هو حل مثالي مع تحول معظم الخدمات الطبية لخدمات غير مجانية في أغلب الحالات المرضية، كما وهو حل مثالي لارتفاع التكاليف الطبية في المشافي وارتفاع أجور الأطباء والممرضين، وإصلاح تجهيزات المشافي، وذلك من خلال تعزيز إيراداتها التأمينية، وبالتالي هو حل مثالي للتكافل بين الجميع وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها.

1800 جهاز في خمس محافظات 
كما أكد مدير الهيئة الانتهاء من تركيب أجهزة البصمة في خمس محافظات: دمشق، ريف دمشق، حمص وريفها، طرطوس وريفها، حلب، حيث بلغ عدد مزودي الخدمة (مستخدمي الجهاز) نحو 1800 مزود خدمة، وتم حصر إدخال مطالبات التأمين باستخدام البصمة فقط، بعد أن تم الانتهاء من توزيع الأجهزة في تلك المحافظات، ليصار تباعاً التركيب لباقي المحافظات، مشيراً إلى أن المشروع إلزامي لكافة مزودي الخدمة الطبية.

121 ألف مؤمن و345 ألف مطالبة 
وبين محمد أنه ومنذ إطلاق مشروع البصمة تم تعريف بصمة نحو 121 ألف مؤمن عليه، وهو عدد كبير جداً ومؤشراً جيداً خلال هذه الفترة، إذ بلغ عدد المطالبات المُدخلة عن طريق البصمة نحو 345 ألف مطالبة (معاينة طبيب، وصفة طبية، أشعة، تحاليل طبية…)، وهذا الرقم يدلّ على أن هنالك شخص واحد تم إدخال ثلاث مطالبات له على الأقل عن طريق بصمته، الأمر الذي يعني نجاح تطبيق هذا المشروع، والتأكد من استخدام البطاقة من قبل المؤمن عليهم أنفسهم، وعدم إدخال مطالبات وهمية من قبل أيّ طرف، وبذلك تم التخفيف من حالات إساءة الاستخدام من قبل كافة الأطراف (سواء المؤمن عليه أو مزود الخدمة)، وبالتالي الاحتفاظ بتغطيات بطاقة التأمين لمصلحة صاحب الاستحقاق حصراً، وهو الهدف الأسمى والنهائي لمشروع البصمة الإلكترونية، هذا عدا عن تخفيض المدة الزمنية للموافقة الطبية، الأمر الذي يزيد من قدرة مزود الخدمة على استقبال عدد أكبر من المؤمن عليهم دون الحاجة لجمع البطاقات أو الأرقام التأمينية لإدخالها في وقتٍ لاحق، وبالتالي الحد من الإحراج الذي يتعرض له مزود الخدمة نتيجة استخدام البطاقة من قبل شخص غير صاحبها، كذلك الحد من الهدر الناتج عن إصدار بطاقات جديدة أو بدل ضائع، حيث يتم ربط الملف الطبي ببصمة المؤمن عليه، ما يُحقق سهولة انتقال عقده فيما بين شركات إدارة نفقات التأمين الصحي.

تسهيل كحسن نية 
وحول ضمان نجاح وفعالية مشروع البصمة دون عقبات، أوضح محمد أن تركيب الأجهزة وتشغيلها تم بالتزامن مع تدريب مزودي الخدمة وكوادرهم من قبل فريق مختص من الشركة المبرمجة وشركة إدارة نفقات التأمين الصحي وهيئة الإشراف على التأمين، فقد تم وضع تعليمات خاصة باستخدام الجهاز على واجهة البوابة الإلكترونية، تتضمن مختلف الحالات التي قد تواجه مزود الخدمة الطبية عند إدخال المطالبة عن طريق البوابة، مع مراعاة بعض الحالات كإعفاء المؤمن عليه، الذي أجرى عمل جراحي، من البصمة وذلك لمدة 10 أيام من تاريخ العمل الجراحي، على أن يتم إدخال مطالبته بواسطة الرسائل (أي يتم إرسال رمز تحقق إلى رقم موبايل المريض، ثم إدخال هذا الرمز على النظام الإلكتروني لشركة إدارة نفقات التأمين الصحي، على أن يتم إدخال مطالبته بواسطة رسائل تتضمن رمز تحقق يرسل إلى هاتف المؤمن عليه ويقوم فقط لتزويدها لمزود الخدمة)، وكذلك تم استثناء الأدوية المزمنة من البصمة شهرياً لاستلام الأدوية المزمنة حيث يتم إدخالها مرة واحدة في السنة عن طريق إدخال البصمة.

وتداركاً لأية معوقات قد تعترض تطبيق البصمة، لفت مدير الهيئة إلى مراعاة ذلك عبر لحظ تسهيلات مبدئية للمؤمن عليهم من مبدأ حسن النية، في حال عدم تعرف الجهاز على بصمة المؤمن، وذلك عبر تقديم نموذج تعهد عند مزود الخدمة أو شركة الإدارة أو المؤسسة العامة السورية للتأمين ليتم حذف البصمة المأخوذة بطريقة خاطئة، وهذا التعهد تم إتاحته من باب المرونة، ويتضمن إعلاماً للمؤمن عليه بأن تغيير بصمته المُعرّفة سابقاً سيتم لمرة واحدة، حيث أن معظم الحالات التي تقدمت لتغيير البصمة أظهرت بأن شخص آخر قد وضع بصمته بدلاً من المؤمن عليه نفسه، وقد تم معالجتها في نفس اليوم، فبمجرد كتابة التعهد يتم فتح ميزة الرسائل تلقائياً لمدة 24 ساعة من أجل قيام المؤمن عليه بالإجراء الطبي المطلوب لحين إعادة تعريف بصمته بشكلٍ صحيح، منوهاً إلى أن كافة شركات الإدارة تتلقى الشكاوى أو الاستفسارات من كافة الأطراف على مدار الـ 24 ساعة.

مقاومة!
مدير الهيئة أكد أهمية ما تم من إيجابيات كبيرة باستخدام البصمة، لجهة ضبط النفقات باستخدام التكنولوجيا، وبالتالي منع أيّ جهة من استخدام الرقم التأميني للمواطن بإدخال مطالبات تأمين وهمية واستنفاذ منافع البطاقة التأمينية، كاشفاً عن أن المشروع قد لاقي مقاومة، كما واجه تضخيماً لمشاكل فردية لا ننكر وجودها، وتم التعامل معها بسرعة ومرونة عالية ضمنت تلقي المؤمن عليه للخدمة الطبية، مبيناً أن كل ما عملته الهيئة بهذا المشروع وسواه، هدفه خدمة المؤمن عليه، مع الأخذ بالاعتبار أن اعتماد أيّ خطوة أو إجراء قد يسبب ارتباكاً أو عبئاً عليه بداية الأمر، لكن عند بداية التعوُّد على استخدام البصمة من قبلهم ومن قبل مزودي الخدمة الطبية سيتم لمس الفوارق الإيجابية الكبيرة، خاصة وأن فرق الهيئة كانت متواجدة في دمشق والمحافظات مع بداية التركيب، وقامت بزيارة شركات إدارة نفقات التأمين الصحي ومقرات الجهات المُؤمَنة، وتعريف ما أمكن من بصمات المؤمن عليهم في مقرات عملهم، ضماناً لسرعة حصولهم على الخدمة حين تعرضهم للمرض، وهذا بالتوازي مع الكثير من الإجراءات الأخرى، أداها فريق عمل الهيئة والمؤسسة العامة السورية للتأمين.

عقاب وثواب  
وفي مجال الرقابة، كشف محمد عن اتخاذ الهيئة العديد من الإجراءات المشددة والعقوبات الرادعة لمواجهة إساءة استخدام التأمين الصحي لكافة الأطراف ذات العلاقة، حيث تم فصل العديد من مزودي الخدمة الطبية (مشافي وأطباء، وصيادلة،) من خلال لجنة معالجة إساءة الاستخدام، كما تم تقييم شركات الإدارة وإعادة توزيع العقود وفقاً للتقييم، وبما يؤكد ويضمن جودة الخدمة للمؤمن عليهم.

مؤشرات مهمة  
ومن الإجراءات التي تم اعتمادها أيضاً وساهمت في إعادة مزودي الخدمات للتعاقد مع قطاع التأمين الصحي، سرعة السداد المالي لمستحقاتهم، حيث أصبحت مدة التسديد للمطالبات خارج المشفى ٢٠ يوما من انتهاء شهر المطالبة بعد أن كانت ٤٥ يوماً، و٣٠ يوماً من تاريخ استلام المطالبات داخل المشفى عوضاً عن ٦٠ يوما، وقريباً سيتم التسديد بواقع دفعتين أسبوعياً، ومؤخراً تم فلترة الشبكة الطبية وذلك ضماناً لوجود شبكة حقيقة فعالة لاستقبال كافة المؤمن عليهم، حيث تم حذف مزودي الخدمة الذين لا يستقبلون المؤمن عليهم، وإدراج أسمائهم على الشبكة الطبية ما يضمن عدم تعرض المريض لموقف مراجعة مزود خدمة طبية غير منتسب للتأمين فعلياً.

مدير الهيئة، ختم بالتأكيد أن زيادة عدد الشبكة ليست أولوية على متطلبات الجودة والنوعية واحترام المريض والإلتزام بشروط ومعايير التأمين، رغم أن العمل على ضمان انتشار جغرافي يراعي التواجد في كافة أحياء المدن والأرياف لمختلف الاختصاصات الطبية قدر الإمكان، هو من أهداف الهيئة لتحقيق شمولية الخدمة التأمينية و وزيادة فعاليتها، ورغم التشدد في الالتزام، بدأت الشبكة الطبية تتحسن، مع تحسن تفاصيل العمل ومنها ضمان حقوق مزودي الخدمة الطبية وسرعة السداد ومواكبة التعرفة الطبية للتضخم ما أمكن.