الثقافة حياة.. والحياة لا تتأجل!
تمّام بركات
عندما كانت العاصمة دمشق تحت قصف الهاون الذي كانت تنفذه المجموعات الإرهابية الموجودة على أطراف العاصمة، كانت دار الأسد للثقافة والفنون، وغيرها من المسارح ودور السينما والمراكز الثقافية، تقوم بتقديم الأنشطة الثقافية المتنوعة دون كلل أو خوف من قبل أصحاب تلك الفعاليات، أو الدار، أو حتى الجمهور السوري الذي واظب على حضورها ومتابعتها، رغم أن القذائف كانت تهبط حول الدار، وأحيانا فيها، إلا أن قراراً بإيقاف تلك الأنشطة لم يصدر عن وزارة الثقافة حينها، ذاك أن الفعل الثقافي هو فعل حياة ومقاومة، وهو بالضرورة ضد ثقافة الموت الأسود التي رفع رايتها الإرهاب، وعمل بلا كلل ولا ملل على نشرها، وهذا ما جعله يستهدف دور الثقافة والفن دون أن ينجح بمسعاه الشيطاني، لأن ثقافة الحياة التي واجهته حينها اتخذ القرار بأنها يجب أن تبقى صامدة، وكم كنا كسوريين، بمختلف شرائحنا الاجتماعية والثقافية والسياسية، نعمل على إبقاء رايتها هي الأعلى مهما كانت التضحيات جساماً.
هذه المقدمة التي تأخذ العبرة من ماضينا القريب والبعيد أيضاً، هي للفت عناية وزارة الثقافة بأن القرار الذي اتخذته بتأجيل الأنشطة الثقافية، بمختلف أنواعها، حتى إشعار أخر بسبب “الظروف الراهنة” – كما جاء في نص القرار، الذي صدر منذ يومين عنها – يحتاج إلى المراجعة! خصوصاً في المدن التي لا تزال الحياة فيها طبيعية، كالعاصمة مثلاً، لأن هذا القرار تشع عنه هالة خوف، سوف تصيب كل من يقرأه، والسبب هو المقارنة البسيطة التي يمكن لأي كان أن يجريها، وفحواها: إن كانت الأنشطة الثقافية، والعاصمة تحت القصف الإرهابي، لم تتوقف رغم الحالة الأمنية القاسية التي كانت سائدة خلال الحرب، فكيف تتوقف الآن ودمشق، والعديد من المدن السورية، تنعم بالأمان؟ ما يقود لاستنتاجات لا أساس لها عند عموم الناس، ويبث الخوف في قلوبهم من أن الوضع الأمني القائم اليوم أكثر خطورة مما كان عليه في العام 2015، عندما كانت دمشق، مثلاً، تخوض عدة حروب لا هوادة فيها على أطرافها، عدا عن القذائف المدمرة التي كانت تسقط بالعشرات فوق رؤوس الجميع فيها.
الفعل الثقافي هو أولاً فعل حياة يشترك فيه الجميع – الجندي والمعلم، التلميذ والعامل، ربة البيت والمرأة العاملة، وغيرهم – وهذا الفعل لا يجوز أن يتوقف، فتوقفه يعني توقف الحياة، وهذا ما يريده بالضبط الأعداء، وما يستميتون ليحدث!
عندما كانت لندن تحت القصف خلال الحرب العالمية الثانية، رفع مجلس العموم مقترحاً إلى تشرشل، بإيقاف الفعاليات الثقافية بسبب ظروف الحرب، وكان في مقترحه عدة نقاط موجبة لذلك، أهمها الحالة الأمنية التي فرضتها الحرب، وأيضاً وضع المخصصات المالية لوزارة الثقافة في خدمة الجهد الحربي، من باب أن الأولويات القائمة تستوجب ذلك.
إلا أن رد تشرشل على المقترح كان حاسماً، بقوله: هذا ما يريده العدو بالضبط، إيقاف شرايين الحياة في البلاد، وأهمها الشريان الفكري والثقافي، وهذا ما لا يمكن السماح به مطلقاً.