اقتصادصحيفة البعث

سباق لرفع هامش الأرباح.. والمسؤولية في عهدة تداعيات الوضع الميداني على سعر الصرف و التكاليف

دمشق – البعث

تثير أخبار ارتفاع سعر الصرف بشكل عام مخاوف الناس وخاصة أصحاب الدخل المحدود الذين خبروا تداعياتها على حياتهم وباتوا أكثر قناعة بتأثيرها السلبي في واقعهم المعيشي نظراً لارتباطها الوثيق بارتفاع أسعار متصاعد لجميع المواد، وهذا ما يحدث حالياً في جميع الأسواق حيث تشهد قفزات سعرية مفزعة وتثير قلق الناس الذين بالكاد يحاولون تامين كفاف عيشهم كما يقال وعلى عكس امانيهم وتطلعاتهم فبدلاً من مضاعفة القدرة الشرائية للمواطن وإدخال “البحبوحة” إلى حياته نجد أن الإجراءات تسير على العكس تماماً حيث تهيىء الفرصة التي يقتنصها التجار لتوجيه مردودها الاقتصادي نحو جيوبهم التي اعتادت اصطياد أي حالة مستجدة لصالحهم واليوم يجد البعض في الاحداث الميدانية في حلب وغيرها من المناطق بوابة لعبور احلام الثراء واقتناص الفرص لزيادة الارباح.

ورغم  استمرار الخلاف على جدوى زيادة الرواتب سواء بشكل عام أو بشكل قطاعي كحل من الحلول الاقتصادية المعيشية وانقسام الآراء بين من يضع مبررات لارتفاع الأسعار مع أي زيادة ستحصل وبين من  يرفض تماماً وجود علاقة تربط الزيادة مع ارتفاع الأسعار، إلا أن  الجميع يتفقون على  أن عملية “زيادة الراتب” تدل على ضعف القوة الشرائية لدى الأفراد في المجتمع وتؤثر على مستوى الواقع المعيشي لديهم، ويجعل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم منخفضة ما يسمح بتداعيات سلبية على استقرار المجتمع وسلامته.

يمكن إرجاع أسباب ارتفاع الأسعار بشكل عام ، خلال السنوات الأخيرة، وحالياً بعد حالة الاستقرار، إلى  الأحداث المتعلقة بما يجري في حلب، وإلى العديد من الأسباب التي ظهرت نتيجة متغيرات اقتصادية أثرت بشكل كبير على القوة الشرائية. ويرى الباحث الاقتصادي مجدي علم الدين  أن أهم هذه الأسباب تعود إلى الواقع الميداني وهجوم التنظيمات الإرهابية على مدينة حلب، وإلى حجم الإنتاج ونقص المعروض من السلع مقارنة بالطلب عليها، والذي جاء نتيجة للتدمير الكلي والجزئي الذي أصاب معظم المنشآت الإنتاجية، وانتقال أصحابها للعمل في دول أخرى نتيجة إغلاق قسم كبير من المنشآت ما أدى إلى تراجع كبير في حجم القوى العاملة بسبب الأوضاع التي تمر بها سورية، وهجرة عدد كبير من الشباب إلى دول مختلفة، وخروجهم من دائرة الإنتاج. وترافق مع هذا الواقع زيادة حجم المستوردات السلعية التي تحتاجها السوق المحلية، وخاصة ما يتعلق بالمواد الأولية للإنتاج، ما خلق قنوات للتضخم المستورد خصوصاً مع تراجع قيمة الليرة السورية، وجعل أسعار المستوردات لا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، كما أن عمليات التهريب أو الاستيراد اعتمدت على الشراء بالقطع الأجنبي (الدولار) والمبيع بالليرة السورية التي فقدت أكثر من نصف قيمتها أمام الدولار.

وكما هو معروف، تذتبذب سعر “الليرة السورية” خلال السنوات الأخيرة دفع معظم الناس إلى تحويل قسم من مدخراتهم إلى الدولار، كمخزن مضمون للقيمة. وهنا يوضح الباحث الاقتصادي نبيل عيسى  أن الاندفاع باتجاه الدولار وشراءه بكثافة رفع من قيمته أمام الليرة السورية، وساهم بخلق الصفقات في بيع وشراء الدولار، وزيادة العرض والطلب عليه، ما أثر بشكل كبير على  قيمة الليرة السورية، وهذا بدوره أثر على أسعار السلع عند تقويمها بالليرة السورية ما خلق حالة من الارتياب سادت السوق السورية ودفعت معظم المنتجين والعارضين إلى زيادة هامش سعري إضافي على أسعار المبيع واحتكارهم  للسلع  وقدرتهم على فرض أسعار أعلى تناسبهم، خصوصاً في ظل غياب المنافسة، وقلة مرونة الطلب على عدد كبير من السلع، كخطوة استباقية لأي تراجع محتمل في سعر صرف الليرة، أو حتى لأي ارتفاع محتمل في أسعار مدخلات الإنتاج. أما فيما يتعلق بالظواهر الاقتصادية المحلية – بحسب عيسى – فان ارتفاع الأسعار كان مرتبطاً بظروف تتعلق بعملية الإنتاج، أهمها صعوبة تأمين المواد الأولية وتوفير أماكن جديدة للإنتاج، إضافة إلى ارتفاع تكاليف النقل بشكل كبير، والذي انعكس بدوره على زيادة أسعار السلع المنتجة محلياً.

وفي مقابل ما يحدث في الأسواق، حاولت بعض الإجراءات الحكومية، سابقاً وحالياً، خلق التوازن المطلوب ما بين القدرة الشرائية وأسعار المنتجات. لكن من وجهة نظر حكومية، هناك محاولات جادة لضبط الأسعار لتتماهى مع القدرة الشرائية للمواطن، فقد سعت، حسب تصريحاتها، ومن خلال مؤسسات  “التدخل الايجابي”، لتقديم السلع بأسعار تنافس الأسعار في الأسواق الأخرى وبجودة عالية، كما سمحت النشاطات الأخرى، كمهرجانات التسوق وغيرها، بتقديم عروض سلعية مهمة، إضافة إلى انتهاز فرصة الأعياد والمناسبات الاجتماعية لتقديم منتجات عديدة بأسعار مخفضة وسلات غذائية متكاملة. وبالمقابل، هناك العديد من التجاوزات التي يقوم بها التجار والباعة في الأسواق، وتعمل وزارة حماية المستهلك على ضبط عمليات الغش والتلاعب بالأسعار دون ان يكون لذلك فاعلية في وقف الجموح السعري.

في رأي الكثيرين أنه رغم المحاولات العديدة والمختلفة لسياسات التدخل الإيجابي إلا أن الواقع يشير أنها لم تعط النتيجة المطلوبة منها، فحجم التحدي أكبر من إمكانية مواجهته بالآليات البسيطة والآنية، بدليل أن أسعار التجار تفرض على أسواقنا، ولا تعنى بالقدرة الشرائية للمواطن، فهناك ظروف عديدة ساهمت في التضخم الحاصل وارتفاع الأسعار في السنوات الأخيرة. ومن وجهة نظر أكاديمية، لم تكن زيادة الأسعار في سورية ناجمة عن الزيادات في الدخل التي أدت إلى زيادة في الطلب الكلي قياساً بالعرض الكلي، بل نتجت عن تغير في ظروف التكلفة الإنتاجية التي أثرت بمنحنى العرض الكلي بمجمله إلى الأعلى، أي “التضخم الركودي”، ما يجعلنا نصل إلى أن زيادة الرواتب والأجور لا ترتبط بزيادة مماثلة في الأسعار. وبالعكس، فان عدم زيادة الرواتب والأجور لن تؤدي إلى انخفاض الأسعار، لكن يمكننا القول أن مسألة القدرة الشرائية مرتبطة بجملة من العوامل والسياسات الحكومية على مستوى الاقتصاد الكلي.