ثقافةصحيفة البعث

عصمت رشيد.. من دون أن يلوم أحداً  

أمينة عباس

رحل من رددت أجيال معه أغنيته الشهيرة “دقّوا عالخشب” التي غنّاها لمنتخب كرة القدم والتي ظلّت تواكب أي فوز يحققه..

رحل الفنان عصمت رشيد، وفي رصيده أكثر من مائتَي أغنية في الإذاعة والتلفزيون، طوى معظمها النسيان لمصلحة ما يقدَّم اليوم من أغنيات، وهو الذي تربَّت على أغانيه أجيال زمن الطرب الأصيل، وكغيره من مطربينا في هذا الزمن عاش في سنواته الأخيرة بعيداً عن الأضواء على الرغم من امتلاكهم لأصوات بقيت محافظة على تألقها، حيث انسحبوا من الساحة الفنية التي لم تعد تليق بهم وبما يقدمونه منّ فن لا يروق للفضائيات في وقتنا الحاضر.

كانت بدايات عصمت رشيد من خلال الإذاعة السورية، وقد لفت انتباه المطرب محمد عبد المطلب الذي كان يعمل في دمشق حينها بعد النجاح الكبير الذي كان يحققه، فنصحه بالتوجه إلى مصر وحمّله رسالة توصية منه، وهناك تابع نجاحه الذي جعله يبقى فيها مدة 14 عاماً اجتمع خلالها بأم كلثوم، ويذكر ذلك قائلاً: “كنتُ عائداً من سهرة فنية في القاهرة عندما لمحت من الشرفة أم كلثوم تمشي بينما ترافقها سيارة على مقربة منها، فسارعت للنزول للقائها، ودار بيني وبينها حوارٌ استمر أكثر من عشر دقائق، بدتْ فيه سعيدة بفنان سوري يمثل جمهورها الكبير جداً في سورية”.

وبعد الأوضاع السيئة في مصر في بداية الثمانينيات وسوء الواقع الفني غادر رشيد مصر وعاد إلى دمشق عام 1987 وقدم فيها أجمل أغانيه “ليه تشكي من الدنيا يا ورد” و”دقّوا على الخشب” و”كفّك يا جميل” وهي أغنيات حققت نجاحاً كبيراً ما يزال عدد كبير منا يذكرها، ومن المؤسف أنها أصبحت حبيسة الأرشيف منذ سنوات بعد أن طفت على السطح أغنيات تسمى شبابية، وعلى الرغم من تبدل الأحوال في الذائقة الفنية وما يُقدَّم من قبل المطربين الجدد كان يؤمن عصمت رشيد بأن لكل زمان مطربوه وأغانيه، وأنه عاش زمنه الذي تألق فيه وهو الذي كان يحفظ 400 أغنية لمحمد عبد الوهاب وكل أغنيات أم كلثوم وفريد الأطرش، ويذكر في أحد حواراته أنه هو الذي قدم المطرب جورج وسوف على المسرح حين كان في عمر الـ 16 وحين غدا نجماً كبيراً غنى له “ليه تشكي من الدنيا ياورد” وظلّت تربطه به علاقة صداقة.

ظل عصمت رشيد الذي غاب عن الشاشة الصغيرة في سنواته الأخيرة مخلصاً للإذاعة وكان حاضراً بأغانيه وعوده من خلال بعض البرامج التي كانت تقدمها، ومنها برنامج “حكايا الفن والفنانين” إخراج محمد عنقا الذي يصفه قائلاً: “مطرب متميز كان محباً لعمله ولطيفاً مع زملائه، وقد سجل أغان وطنية في كل المناسبات، واجتمعتُ معه من خلال برنامج “حكايا الفن” على مدار أكثر من 150 حلقة وعرفته إنساناً ذا أخلاق نبيلة وتواضع راقٍ”.

في حين يبيّن صديقه الموسيقي سيمون الخوري: “لم يتوقف عن الغناء، وهو من القامات الفنية الكبيرة في زمنه ويتمتع بقدرات صوتية عالية، وعُرف بابتسامته الدائمة ومحبة الجميع له، ورحيله خسارة كبيرة”.

تم تصنيف عصمت رشيد في سورية ومصر كمطرب وملحن من الدرجة الأولى، وهو عضو في جمعية المؤلفين والملحنين ومركزها القاهرة وباريس، كما تعاون مع كبار الملحنين ممن قدموا له الدعم، ومنهم سهيل عرفة وأمين الخياط وسليم سروة، وامتاز بأداء كلّ ألوان وأنماط الغناء الشرقي الأصيل، وكان أول من صوّر فيديو كليب بالألوان لـ”دويتو” بعنوان “سارح” مع الفنانة سهام إبراهيم، كما شارك كممثل في أعمال تلفزيونية وسينمائية في بعض الأدوار وكان في غالبيتها مغنياً أو ملحناً، نذكر منها “الفراري” و”عريس الهنا” و”السفينة” وحلّ ضيفاً على مسلسل “بهلول أعقل المجانين” في جزئه الثاني، أما في السينما فشارك في أفلام “رجال الصيد” و”أبو عنتر بوند”.

رحل عصمت رشيد من دون يلوم أحداً عن غيابه في السنوات الأخيرة، ومعلّلاً ابتعاده بتقصيره هو لا أحد غيره.