دراساتصحيفة البعث

مرة أخرى.. سورية في مواجهة الإرهاب العالمي

هيفاء علي

في الوقت الذي تم فيه الإعلان عن التوصل إلى اتفاق يقضي بوقف إطلاق النار في جنوب لبنان، أعادت “إسرائيل” والولايات المتحدة والنظام التركي إشعال الحرب في سورية، وشنت عدواناً جديداً على حلب عبر إحياء إرهابيي ما يسمى “هيئة تحرير الشام” التابعة لتنظيم “القاعدة”، والتي أعادت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تشكيلها وتمويلها، لشن الهجمات ضد الجيش العربي السوري في غرب حلب، ومن ثم الاعتداء على المدينة التي ذاقت نصيبها من إرهاب “القاعدة” على مدى عشرة أعوام إبان الحرب الكونية على سورية.

وقد انكشف مرة أخرى دور تركيا في هذا العدوان، حيث سيطر أردوغان على “هيئة تحرير الشام” الإرهابية واستخدمها لتحقيق أطماعه العثمانية عبر احتلال المزيد من الأراضي السورية، ليقدم أوراق إعتماده وجعل الرئيس المنتخب دونالد ترامب يدرك أنه يمكن أن يكون أردوغان حليفاً موثوقًا في المنطقة.

من الواضح أن إدارة هذا العدوان تتم من قبل خلية عمليات مكونة من صهاينة وأتراك وأمريكيين وبريطانيين وأوكرانيين، وجميع المعدات والذخيرة والأسلحة التي نقلها الأمريكيون مؤخراً إلى قواعدهم غير الشرعية في سورية كانت مخصصة للإرهابيين للتحضير لهذا الهجوم، بينما يشارك الأتراك بشكل مباشر بالأفراد والأسلحة، ويشارك الأوكرانيون كضباط في قيادة العمليات، بالإضافة إلى أن “هيئة تحرير الشام” استخدمت أسلحة ومعدات جديدة، بما فيها طائرات بدون طيار الأوكرانية، والتي تم تزويدها بها من قبل أجهزة المخابرات في كييف.

يعد هذا العدوان مرحلة من مراحل الحرب على غزة ولبنان، وهو استمرار للحرب الكونية التي بدأت ضد سورية عام 2011 وللأهداف نفسها، لكن المعطيات على الأرض تؤكد تكبد الإرهابيين خسائر فادحة سواء في قواتهم الهجومية أو مواقعهم الخلفية أو خطوط إمدادهم، وذلك من خلال الضربات الجوية للقوات السورية والروسية المشتركة، فيما تم اتخاذ قرار استراتيجي روسي على أعلى المستويات لسحق الإرهابيين مهما كان الثمن، وتقديم الدعم الأقصى للجيش العربي السوري، حيث تعتبر روسيا هذه المعركة معركتها، وكأنها تجري على أطراف مدنها.

إن معركة حلب الثانية تبدو وكأنها محاولة لتغيير نتائج معركة حلب الأولى، وذلك على “أمل” أن يكون الجيش العربي السوري وحلفاؤه منهكين أو متفككين بعد سنوات من الحرب. وعليه، فإن توجيه الحرب نحو سورية من خلال تركيزها على حلب يجبر حلفاء الحكومة السورية على تحويل ثقلهم من منطقة الصراع مع “إسرائيل”، أي من جنوب دمشق المتاخم لحدود الجولان المحتل، نحو المناطق من الشمال، وهذا ما تريده “إسرائيل” وترفضه موسكو.

أما أردوغان، ومع وصول رئاسة ترامب واحتمال الانسحاب العسكري الأميركي من سورية، فإنه يسعى لأن يقدم نفسه كمفتاح للحل السياسي في سورية، لكن هو في الواقع ليس إلا شريكا في الإجرام والقتل. وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية يوم 30 تشرين الثاني أن “هيئة تحرير الشام” تتلقى معلومات استخباراتية من أجهزة المخابرات التركية، وأن “مصادر على اتصال بالمخابرات التركية قالت إن “تركيا أعطت الضوء الأخضر للهجوم”، حيث تلقت هذه الهيئة الإرهابية وحلفاؤها المدعومون من النظام التركي أوامر مما يسمى “قيادة العمليات المشتركة”، التي أنشأتها وكالة الاستخبارات الأمريكية، ووكالات الاستخبارات المتحالفة معها خلال  الحرب الكونية الشرسة المدعومة من الولايات المتحدة ضد سورية عام 2011، حيث أنشأت غرف عمليات مشتركة في جنوب تركيا لتوجيه أنشطة الإرهابيين ضد الدولة السورية.

من جهتها، ذكرت صحيفة “إزفستيا” الروسية أن العدوان على حلب تم تنسيقه بين أجهزة المخابرات التركية والأوكرانية والفرنسية، بدعم من “إسرائيل” وموافقة الولايات المتحدة، موضحةً أن ما جرى كان مخططًا له في البداية في شهر آذار المقبل، لكنه تم شنه قبل الموعد المقرر رداً على الأحداث في لبنان في أعقاب دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.

ومن دمشق، كتبت الصحفية البريطانية فانيسا بيلي: “لقد تمت مناقشة هذا الهجوم والتخطيط له منذ بدء العدوان الإسرائيلي على لبنان، وستجري محاولات لتدمير البنية التحتية، بما في ذلك خطوط الإمداد للمساعدات الإنسانية الأساسية”، مؤكدةً أن سورية هي القلب النابض للمقاومة ويجب حمايتها بأي ثمن.

ومن غير المستغرب أن تتكرر نفس الدعوات على وسائل التواصل التي سُمعت خلال العملية النفسية التي نظمها الغرب إعلامياً، والتي شهدت دعم الجهلة في جميع أنحاء العالم لـ “ثورة” دموية للغاية في عام 2011. لكن في الواقع ما حدث ليس “ثورة”، فأي نوع من “الثورة” تدمر ثقافتها وتراثها ومدنييها وتدعمها الولايات المتحدة و”إسرائيل”؟

وتضيف فانيسا بيلي: سورية قيادةً وجيشاً وشعباً ستواجه هذا العدوان، وستواجه مرة أخرى هذا الإرهاب العالمي، وستقضي عليه، كما تمكنت بكل قوة وبطولة من دحره والقضاء عليه وإعادة الأمن والاستقرار إلى معظم الأراضي السورية. ومهما تعددت الخرائط التي يتحدث عنها أعداء سورية، وتتحدث عن “شرق أوسط جديد” كانت بشرت به وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، غونداليزا رايس، تبقى الكلمة الفصل للجيش العربي السوري الذي وحده يرسم الواقع على الأرض.