هل ما يزال السّاخر ساخراً..
نجوى صليبه
إن كان الأدب السّاخر كما ورد هو التّعامل مع الواقع بكثير من الهزل وقليل من الجد، وتحويله إلى قصّة قصيرة أو نادرة أو حتّى قصيدة وربّما كاريكاتوراً، بل لوحة في سلسلة كوميدية سورية كـ”بقعة ضوء” و”مرايا” و”ضيعة ضايعة” و”الخربة”، مع التّخييل قليلاً وإضافة بعض التّوابل والمنهكّات والبهارات، للوصول إلى قلوب النّاس قبل عقولهم أو العكس، وإضحاكهم قبل إحزانهم ـ أيضاً أو العكس ـ، فمن الطّبيعي أن نسأل، هل هذا الأدب يقدّم صورةً مبالغ فيها عن الواقع أو ما يمكن أن يكون واقعاً؟.
للإجابة على هذا السّؤال، لابدّ من الوقوف عند الوضع الاجتماعي العام الذي نعيشه، ولاسيّما خلال سنوات الحرب التي بدأت على وطننا منذ عام 2011 وما تزال مستمرة حتّى اليوم، والذي كان يقابله النّاس بسخرية ليس لها مثيل سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الأحاديث اليومية، فعندما انقطع الإنترنت يوماً كاملاً قال النّاس إنّ القرش أكل الكابل في البحر، وعندما انقطع التّيار الكهربائي فترات طويلة قالوا إنّ المعنيين يشجعون النّاس على إنجاب المزيد من الأولاد، أمّا عند بدء الامتحانات المدرسية الفصلية والسّنوية فتناقل البعض نكتةً مختصرها أنّ الرّجال يجلسون على الشّرفات لكي لا يظنّ الجيران أن زوجاتهم تضربهم أو تؤدّبهم أثناء تدريسهن لأبنائهن.
أمّا اليوم، فقد تجاوز الواقع كلّ السّخرية الأدبية، أي لم يعد هناك شيء خيالي لا يمكن أن يحصل، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً حتّى على المستوى الرّومانسي، وهنا لابدّ من التّساؤل أيضاً: هل ما يزال الأدب السّاخر ساخراً، طالما أنّ الواقع يفوقه بكلّ شيء؟.
أتذكر هنا أنّي كتبت على الصّفحات الزّرقاء أكثر من مرّة “سوف تلهو بنا الحياة وتسخر” مقطع من أغنية أدّتها أم كلثوم في 1968 من كلمات جورج جرداق وألحان محمد عبد الوهاب، وفي كلّ مرّة كان يأتيني تعليق “هل ستلهو أكثر من ذلك” وكنت أردّ بـ: “نعم”.
وإن كان لابدّ من خاتمة، فأختم بعبارة الفنّان نضال سيجري بدور “أسعد” في سلسلة “ضيعة ضايعة” والتي تختصر الكثير: “ضحكتني بنصّ الحزن”.