دراساتصحيفة البعث

الصين – أمريكا.. ترابط معقد وعلاقة غير مستقرة

عائدة أسعد

شكل الاجتماع بين الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي جو بايدن في 16 تشرين الثاني الماضي مرحلة حاسمة لمستقبل العلاقات الصينية الأمريكية. وبينما كان أكبر اقتصادين في العالم يمران بديناميكيات محفوفة بالمخاطر خلال فترة ولاية بايدن، قدم هذا الاجتماع لمحة عن نواياهما في تشكيل الاستقرار العالمي، حيث أعرب الرئيسان عن تفاؤلهما بشأن التعاون التجاري، ومكافحة تغير المناخ، على الرغم من ظهور خلافات كبيرة بشأن قضية تايوان ونقل التكنولوجيا.

تؤكد نتائج هذا الاجتماع على الترابط المعقد بين الولايات المتحدة والصين، وهدف بايدن إلى ترك منصبه بعلاقة ثنائية مستقرة – على الرغم من أن أفعاله تتناقض مع هذا الغرض – لكن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض باعتباره الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة تخلق حالة من عدم اليقين الجديدة، فيما يتعلق بالجيوسياسية العالمية، وخاصة فيما يتعلق بالصين.

لقد تميزت الفترة الأولى لترامب كرئيس للولايات المتحدة بموقف متشدد تجاه الصين، وخاصة عندما أكد على أهمية الحد من اختلال التوازن التجاري، ومعالجة مخاوف حقوق الملكية الفكرية، ومواجهة النفوذ العالمي المتزايد للصين، وربما تؤدي إستراتيجيته “أميركا أولا”، التي تحددها القومية الاقتصادية والمنافسة الإستراتيجية، إلى تكثيف التوترات بين البلدين.

ومن المرجح أن يؤدي تركيز ترامب على الأولويات المحلية – مثل إعادة التصنيع إلى الداخل – إلى تقييد قدرته على الانخراط في الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وقد يؤدي هذا إلى نهج أكثر انفرادية وانتقائية في التعامل مع المشاركات الأجنبية، مما يخلق فراغاً في السلطة في الحوكمة العالمية.

ومع ذلك، فإن نهجه للتعامل في العلاقات الدولية قد يؤدي إلى مشاركات غير متوقعة مع الصين، تتراوح من الانفصال الاقتصادي المتصاعد، إلى التعاون الانتقائي في قضايا مثل قضية نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، أو استقرار سلسلة التوريد، وربما يقدم هذا التحول في السياسة الخارجية الأميركية في عهد ترامب فرصاً للاعبين عالميين آخرين، وخاصة كتلة “البريكس بلس”، للعب دور أكبر في الشؤون العالمية، وربما يؤدي التأثير المحتمل لسياسات ترامب على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى نهج أكثر مواجهة، مما يخلق المزيد من الفرص لمجموعة “البريكس بلس” لتوسيع نفوذها.

كما تجدر الإشارة إلى أنه مع مواجهة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين لتقلبات متجددة، فإنه يوجد لدى مجموعة “البريكس بلس” فرصة لوضع نفسها كقوة استقرار في عالم مجزأ، كما أن قدرة الكتلة على توفير أطر بديلة للتنمية والتعاون تجعلها مناسبة بشكل فريد لمعالجة الاحتياجات المتزايدة باستمرار للجنوب العالمي، بما في ذلك التنمية الاقتصادية، وتحسين البنية الأساسية والنمو المستدام.

إن الأجندة الاقتصادية للمجموعة، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق التي اقترحتها الصين، وخبرة البرازيل في الابتكار الزراعي، يمكن أن تساعد في معالجة التحديات الحرجة مثل الأمن الغذائي، وتنمية البنية الأساسية المستدامة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا، وهي واحدة من القضايا الرئيسية التي أثيرت في قمة مجموعة العشرين الأخيرة في ريو دي جانيرو.

وعلاوة على ذلك، فإن إزالة الدولرة المحتملة من الاقتصاد العالمي – مدفوعة بالسياسة الاقتصادية الصينية والمبادرات الجارية في إطار مجموعة البريكس بلس – تشير إلى التحول بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكي طويلة الأمد، كما أنه من شأن هذا التحول أن يمكّن الاقتصادات الناشئة من متابعة نماذج التنمية المستقلة عن الأنظمة المالية الغربية.

ويمكن لمجموعة “البريكس بلس” أن تغتنم الفرصة للدفاع عن إصلاحات كبيرة في المنظمات الدولية الرئيسية مثل الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. ومن خلال الدفاع عن التعددية القطبية والحلول المحلية، يمكن للمجموعة أيضاً أن تلهم قدراً أعظم من الاستقلالية والمرونة بين الدول الأعضاء والشركاء، مما يؤدي إلى نظام عالمي أكثر إنصافاً وتنوعاً.

إن عصر عدم اليقين هذا يوفر لمجموعة “البريكس بلس” الفرصة لإعادة تعريف دور الجنوب العالمي في الحوكمة العالمية، وبفضل إمكاناتها لترسيخ نفسها كبديل موثوق للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، كما يمكن للمجموعة أن تلهم الأمل والتفاؤل من خلال المبادرات التي تركز على تحرير التجارة والتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة، ومن شأن مثل هذه الجهود أن تعزز النمو الاقتصادي، وتعالج التحديات العالمية الملحة مثل تغير المناخ والشمول الرقمي، وعجز البنية الأساسية، مما يغرس شعوراً بالأمل في مستقبل أفضل.

لقد أكد الاجتماع بين شي وبايدن على الحاجة الملحة إلى البراغماتية والتعاون في معالجة التحديات العالمية الملحة، ومع استعداد ترامب لتولي منصبه، فإن سياساته ستعيد بلا شك تشكيل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، مما يخلق تحديات وفرصاً للمجتمع الدولي ومجموعة البريكس، بقوتها الاقتصادية الجماعية ورؤيتها المشتركة لعالم أكثر عدالة، تمتلك القدرة على قيادة الطريق في هذا العصر الجديد من التحول العالمي، وإلهام المجتمع الدولي وتحفيزه على التحرك بسرعة وحسم.

وأخيراً، من المهم التأكيد على أن المفهوم الخاطئ الواسع الانتشار “فخ ثوسيديدس”، وهو المصطلح المستخدم لوصف احتمالات الصراع عندما تتحدى قوة صاعدة قوة راسخة، على الرغم من استفزازه، يحتاج إلى المراجعة عند تطبيقه على الصين، ويحتاج هذا المفهوم إلى النظر في الفروق الدقيقة الغنية في التاريخ الصيني، والتزامها التاريخي بالتعايش السلمي.

وعلى النقيض من التقليد الغربي المتمثل في صراعات القوة التي لا محصلة لها، فإن النهج التاريخي للصين في العلاقات الدولية كان يؤكد في كثير من الأحيان على أهمية الانسجام والتوازن والمنفعة المتبادلة، ويُظهِر التاريخ الطويل الممتد على مدى ثمانية عشر قرناً كواحدة من أكبر اقتصادات العالم أن الدولة لا تفرض قوتها العسكرية على الدول الأخرى بالطريقة التي فعلتها القوى الغربية تاريخياً، وكانت الصين مركز ثقل للدول المجاورة من خلال النفوذ الثقافي والاقتصادي.

إن إسقاط نمط تاريخي غربي على حضارة مختلفة جوهرياً يتجاهل التزام الصين الطويل بحل انتقالات القوة من خلال الدبلوماسية والتكيف الاستراتيجي، كما أن صعود الصين هو شهادة واضحة على إرادتها في السعي إلى السلام والازدهار والاستقرار، وليس حرباً باردة جديدة، وسوف تلتزم مجموعة “البريكس بلس” بنفس الالتزام، ويتعين على الإدارة الجديدة في واشنطن أن تأخذ هذا الأمر في الاعتبار عند صياغة سياساتها.