في ذكرى تأسيسها .. الأونروا تخضع لأجندات سياسية
د.معن منيف سليمان
تعدّ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ” الأونروا” أكبر الهيئات العاملة في توفير الخدمات الرئيسة، في مجالات التعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية، لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عملياتها الخمس، وهي: الضفة الغربية، وقطاع غزة، ولبنان، والأردن، وسورية، على الرغم من الصعوبات التي تحول دون القيام بمهامها بسبب نقص الإمكانيات والعراقيل الإسرائيلية المستمرة والمتكررة.
في 8 كانون الأول عام 1949م، تأسست “الأونروا” بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم /302/، كمنظمة مؤقتة تعمل على تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج تشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، على أن تجدد ولايتها كل ثلاث سنوات لغاية إيجاد حلّ عادل للقضية الفلسطينية، ومقرّها الرئيس في فيينا بالنمسا، وعمّان بالأردن.
بدأت “الأونروا” عملياتها الميدانية في الأول من أيار عام 1950م، وقد تولت مهام “هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين” التي تأسست في وقت سابق في تشرين الثاني عام 1948، والتي انحصرت مهامها في تقديم المعونة للاجئين الفلسطينيين، وتنسيق الخدمات التي تقدم لهم من طرف المنظمات غير الحكومية وبعض منظمات الأمم المتحدة الأخرى.
وتشتمل الخدمات الصحية المقدمة للاجئين الفلسطينيين من “الأونروا” على الرعاية الطبية الخارجية، ومنع الأمراض والسيطرة عليها، وصحة الأمهات والأطفال، وإرشادات تنظيم الأسرة والتعليم الصحي، كما تقدّم الوكالة أيضاً الرعاية الثانوية، ولاسيما حالات الطوارئ وإنقاذ الحياة من خلال الاتفاقيات التعاقدية مع المستشفيات غير الحكومية والخاصّة، أو من خلال تسديد جزء من تكاليف العلاج.
وتدعم “الأونروا” أسر اللاجئين الفلسطينيين لتلبية حاجاتها الأساسية، وتساعد في تطوير الاعتماد على الذّات في مجتمع اللاجئين من خلال التنمية الاجتماعية للمجتمع، فتوفّر المعونة المادية والمالية المباشرة، بما في ذلك الغذاء للأسر التي تعاني من صعوبات خاصة، وتلك الأسر تفتقر عادةً إلى معيل، وليس لديها وسائل معروفة أخرى للدعم المالي الكافي، لتغطية حاجات الغذاء والمأوى والحاجات الرئيسة الأخرى.
وتقدّم الوكالة قروضاً بهدف توفير الفرص الوظيفية والمدرّة للدخل للاجئين من خلال التوسع في تطوير المؤسسات المتوسطة والصغيرة، وإقامة الائتمان للمؤسسات في قطاعي الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، وتشجيع التصنيع الموجه للتصدير لإدرار دخل بالعملة الأجنبية، وتشجيع استبدال الاستيراد بغية تحسين الميزان التجاري، وتشجيع مشاركة النساء في الاقتصاد.
وتموّل الوكالة من تبرعات طوعية من الدول المانحة، وتعدّ الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمة الدول المانحة ما يقارب 30 بالمئة من إجمالي التمويل، وتليها المفوضية الأوروبية، وبريطانيا، واليابان، وكندا، والدول العربية وغيرها.
واليوم شغلت “الأونروا” دوراً لا غنى عنه في تقديم الغذاء والماء والمعونة الطبية والتعليم والمأوى لنحو مليوني فلسطيني في غزة، الذين هُجّروا قسرًا وتعرضوا لمجاعة مدبرة، ويواجهون خطر الإبادة الجماعية نتيجة لذلك؛ بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر خلال الأشهر الـ 14 الماضية.
بات واضحاً أن وكالة “الأونروا” وغيرها من الوكالات الدولية العاملة في خدمة الشعب العربي في فلسطين، تخضع بالأساس لأجندات سياسية، وترتبط مصائرها بالقرارات السياسية بشكل عام، والخيارات المطروحة حالياً أمام الطرفين الفلسطيني والأممي هو إما أن تعود السلطة الفلسطينية إلى المفاوضات عبر الوساطة الأمريكية مقابل استمرار التمويل؛ حيث أن المستهدف الأول هو اللاجئين الفلسطينيين، الذين سيصبحون مرّة أخرى فريسة للقرارات السياسية التي تحدّ من فرصهم في الكفاح والمقاومة، وفي تلك الحالة ستظل الخدمات الأساسية لـ”لأونروا” ملتزمة بالمطالب السياسية للإدارة الأمريكية والمتحدية للتوافق الدولي، فيما يتعلّق بالقضية الفلسطينية.
وكانت الإدارة الأمريكية في ولاية الرئيس دونالد ترامب السابقة قد أعلنت يوم الجمعة 31 آب العام 2018، بوضع حدٍّ للمساعدة المالية التي ظلّت تقدمها إلى وكالة الأمم المتحدة، لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “أونروا” منذ عام 1949م، وقد ترافق قرار وقف تمويل “أونروا” مع قرار آخر اتخذته إدارة ترامب يتمثّل بحجب مساعدات إغاثية وطبية وتنموية بقيمة 200 مليون دولار، كان من المفترض صرفها هذا العام في الضفة الغربية وقطاع غزة. يأتي ذلك ضمن سلسلة خطوات مثيرة للجدل اتخذتها إدارة ترامب، وأثنت عليها الحكومة الإسرائيلية، بالوقت الذي أثارت صدمة وقلق لدى الفلسطينيين، لأنها تجعل حلم إقامة دولة مستقلة أبعد من أي وقت مضى.
وكان يرمي الرئيس الأمريكي ترامب، من خلال الدفع في اتجاه وقف تمويل وإغلاق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” ، إلى تحييد ما يعدّه “عقبةً” على طاولة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فيرى إن مسألة “حق العودة” هي “عقبة” في طريق “السلام”، يجب إزالتها من طاولة المفاوضات. وكانت إستراتيجية جديدة لإدارة ترامب تقوم على مبدأ إنهاء القضايا الجوهرية والمركزية التي تطيل أمد الصراع العربي – الإسرائيلي، وتدخل ضمن ما يُعرف بـ “قضايا الحل النهائي”. وهكذا من خلال تحييد ملف القدس، ثم محاولة تحييد ملف اللاجئين، بالتوافق الكلّي مع الكيان فإن معالم خطة ترامب لتصفية قضية فلسطين، ضمن ما تعرف بـ “صفقة القرن”، باتت واضحة المعالم هدفها الرئيس إزاحة المفاوضات عن الطاولة.
وفضلاً عن ذلك، فإنّ الكيان الصهيوني هو الآخر يسعى الآن لسلب الفلسطينيّين أداة الضّغط تلك، ويساعده في ذلك الإدارة الأمريكية بداية من خلال فرض الشروط على الفلسطينيين، وتالياً من خلال إلغاء المساعدات المقدّمة إلى “الأونروا”؛ فالكيان يقلقه وجود “الأونروا” واستمرار الدّعم المقدّم له، فالمنظّمة تساعد جميع الفلسطينيّين ومنهم المولودين في الخارج، سواء في سورية أو لبنان أو في أيّ مكان آخر، على الحفاظ أو وراثة صفة اللاجئ، ويقول الإرهابي “دافيد بن غوريون” في هذا الصدد: “اللاجئون لم ينقرضوا، بل ازدادوا عدداً والأبناء والأحفاد لم ينسوا أصلهم”. هذا ما تنتقده “إسرائيل” منذ زمن لدى “الأونروا”، وهذا ما أكّده وزير الخارجيّة السّويسريّ “إينياتسيو كاسيس” قائلاً: “من خلال دعم الأونروا نُبقي النّزاع على قيد الحياة”.
وبناءً على ذلك أصدر الكنيست الإسرائيلي قرارا في 28 تشرين الأول الماضي بحظر عمل “الأونروا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني إلغاء الكيان العمل باتفاقية عام 1967 الموقعة مع وكالة “الأونروا”.
ويشمل الحظر مصادر مقرات الوكالة الأممية، ومنع دخول الأموال لـ”لأونروا”، وسحب تصاريح VIP من العاملين فيها، ومنع إدخال المساعدات بواسطة الوكالة الأممية، بالإضافة لرفع الحصانة عن كافة الموظفين الدوليين العاملين في الوكالة.
يرى البعض أن الاستهداف الإستراتيجي والمنهجي التراكمي لوكالة “الأونروا” يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حقهم في العودة، واقتلاع وطرد الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، وتحويلهم إلى لاجئين بعد اغتصاب ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وتثبيت قاعدة مفادها: “لا لجوء إذاً لا نكبة”. وبذلك تتم تثبيت شرعية الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب القرار الأممي رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول، 1948، الذي أكد على حق العودة والتعويض.
وتبقى المفارقة التي تثير الدهشة والاستغراب، هو الدعم المطلق للكيان الصهيوني الإرهابي بالمال والسلاح والمواقف السياسية، من قبل بعض الدول المانحة “للأونروا” أمام دعمها الخجول لهذه المنظمة التي تقدم المساعدات والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية لأناس شرّدوا من بلادهم قسراً، ويعيشون في ظل ظروف معيشية قاسية، نجمت عن الإجراءات العدوانية التي ينتهجها الاحتلال الإسرائيلي ضدّهم.