تراس تقود بريطانيا إلى آفاق قاتمة
عناية ناصر
قال وزير المالية البريطاني كواسي كوارتنج إن حكومة المملكة المتحدة “لن تمضي في إلغاء معدل الضريبة البالغ 45 بنس، على الرغم من إعلان حكومة المملكة المتحدة قبل فترة وجيزة عن خطة لإلغاء نسبة 45 في المائة، التي يدفعها الأشخاص الذين يكسبون أكثر من 150 ألف جنيه إسترليني سنوياً، كجزء من حزمة التخفيضات الضريبية.
كانت التخفيضات الضريبية قضية كبيرة بالنسبة لتراس خلال السباق لقيادة حزب المحافظين. وبعد توليها المنصب، وضعت مثل هذه الخطة للوفاء بوعدها، وهي خطوة أثارت الاضطرابات في الأسواق المالية، حيث وصل الجنيه الإسترليني إلى مستوى قياسي منخفض مقابل الدولار الأمريكي، وانهارت أسعار السندات الحكومية البريطانية، وأسهم المملكة المتحدة، حيث سجلت أدنى مستوى لها منذ شهر آذار الماضي، وفقاً لمؤشر الأسهم “فوتسي 100 ” في لندن.
تفتقر تراس إلى الخبرة كرئيسة للوزراء، وإلى الفهم الصحيح للوضع الاقتصادي لكل من المملكة المتحدة وبقية العالم،إضافة إلى أنها غير قادرة على التوصل إلى حل مناسب لمعالجة المحنة الحالية التي تواجهها المملكة المتحدة، كما يقول المحللون.
والأسوأ من ذلك، أنه بدلاً من التفكير في كيفية إيجاد الحلول لمشكلات بريطانيا، تحاول تراس إلقاء المسؤولية على وزير المالية، حيث قالت إن قرار خفض معدل ضريبة الدخل الأعلى كان “قرارا ًاتخذته المستشارة”، وهذا يشير إلى أن تراس، بصفتها رئيسة الوزراء البريطاني، لا تتحمل مسؤولية حكومتها. ومن الملاحظ أيضاً أنه حتى قبل يوم واحد من إعلان كوارتنج عن التخلي عن خطة إلغاء معدل 45 في المائة، كانت تراس لا تزال تدافع عن الاقتراح.
وفي هذا الإطار نقلت هيئة الإذاعة البريطانية ” بي بي سي” قول تراس إنها ما زالت ملتزمة بنهجها وإنها “واثقة” من تحقيق نمو أفضل. وذكرت “بي بي سي ” في تقرير آخر إن مثل هذا الالتفاف يمثل “تراجعاً مذلاً” لتراس، حيث يمكن من خلال ذلك ملاحظة أن الانقسامات الجديدة تنتشر إلى حد ما داخل حزب المحافظين، وفقاً لـ كوي هونجيان، مدير قسم الدراسات الأوروبية في معهد الصين للدراسات الدولية.
عند توليها لمنصبها، كان لدى تراس مهمتان صعبتان يتوجب عليها التعامل معهما إحداهما تقوية حزب المحافظين، ومعالجة الخلافات التي تلم به، والأخرى هي تسوية المشاكل الاقتصادية، ومستوى المعيشة التي تواجه بريطانيا في أسرع وقت ممكن، حيث أشار كوي إلى أن تراس لم تحرز تقدماً يذكر في أي منهما ، مما جعل آفاقها السياسية قاتمة.
وتحدث مقال رأي في صحيفة “نيويورك تايمز” إن تراس ربما تكون قد سجلت رقماً قياسياً في السرعة السياسية من خلال الإعلان عن برنامج اقتصادي، ثم التخلي عن ركن أساسي فيه بعد عشرة أيام فقط. إن خطة تراس الكبيرة لخفض الضرائب بالإضافة إلى عدم اتساق حكومتها في السياسة ستكون بمثابة ضربة ليس فقط لمصداقيتها الشخصية وسمعتها، ولكن أيضاً لحزب المحافظين.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “الغارديان”، فإن مستوى شعبية تراس أدنى من مستوى الشعبية التي كان يتمتع بها بوريس جونسون في نهاية رئاسته للوزراء، حتى أن إحدى مقالات الرأي في الصحيفة حملت عنوان “السؤال هو لتحديد هذه الحقبة المؤسفة: تراس أم جونسون، أيهما أسوأ؟”.
ووفقاً لاستطلاع “يوغوف”، يعتقد أكثر من نصف البريطانيين أن ليز تراس يجب أن تستقيل من منصب رئيس الوزراء البريطاني، على الرغم من أن تراس تشغل المنصب منذ أقل من شهر، في دلالة على أن رئاستها للوزراء تواجه أزمة بالفعل.
ونظراً لأدائها الأخير، أصبحت قدرتها على الحوكمة موضع تساؤل بالفعل، ونتيجة لذلك، سيكون من الصعب تنفيذ سياساتها أو خططها في مجالات أخرى، مع انتقادات أكبر بغض النظر عن الهدف، ومن المتوقع أنها ستصارع في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة القادمة.
كما أن أداء تراس بشأن مصير حزب المحافظين واضح أيضاً، حيث حقق حزب العمال البريطاني المعارض تقدماً بفارق 33 نقطة على حزب المحافظين الحاكم، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته مؤسسة ” يوغوف”، إذ يُعتقد أنه أكبر تقدم لحزب العمال في أي استطلاع مسجل منذ عام 1998.
تراس هي رابع رئيس وزراء بريطاني خلال ست سنوات، وبذلك يشير معدل ارتفاع تبديل رؤساء وزراء المملكة المتحدة إلى أن تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أكبر بكثير مما تخيله مؤيدو البريكست. وقد أشار كوي إلى أن “القوة الحالية للمملكة المتحدة غير كافية للتعامل مع الصدمة التي نتجت عن البريكست، كما يشير التسارع في تغيير رؤساء الوزراء في المملكة المتحدة إلى أن سياسة المملكة المتحدة قد دخلت مرحلة حيث هناك حاجة ماسة إلى إصلاحات عميقة.