شركاء اليأس الاقتصادي والسياسي
عناية ناصر
يبدو أن بريطانيا وفرنسا قد انفصلتا عن بعضهما منذ البريكست، لكن على الرغم من هذه الانقسامات السياسية، أصبحت بريطانيا وفرنسا في الواقع تشبهان بعضهما بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى، لدرجة أنه من الصعب الآن التمييز بين الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية الموجودة على جانبي القناة.
ومن المتوقع أن تواجه فرنسا وبريطانيا موجة من الإضرابات خلال الأشهر المقبلة، حيث كانت نقابات عمال القطاع العام والسكك الحديدية قد نظمت إضراباً في شهر أيلول الماضي للمطالبة بزيادة الأجور، كما هددت العديد من النقابات الأخرى بالقيام بإضرابات في حال مواصلة ماكرون إصلاحاته العمالية. وفي ذات السياق، أدت أشهر من إضرابات تكلفة المعيشة في جميع القطاعات الاقتصادية في بريطانيا إلى تماشي إضرابات المملكة المتحدة مع العادات الفرنسية، ومن الممكن أن تصبح هذه الإضرابات سياسية بشكل متزايد كتلك التي تحدث في فرنسا عندما تحاول حكومة تراس تنفيذ أجندتها التجارية المقترحة.
من الناحية السياسية، تضطر حكومة ماكرون التي تمثل الأقلية إلى التفاوض بشأن كل مشروع قانون تشريعي في ظل معارضة حزبية قوية، لكن ولايته الأخيرة دفعته إلى تنفيذ تلك الإصلاحات العمالية التي ذكرها في بيانه الانتخابي الأخير، وذلك بسبب خوفه الكبير من أن يصبح رئيساً ضعيفاً مثل جاك شيراك خلال فترة ولايتة الثانية بعد عام 1995، حيث قام بحل البرلمان في عام 1997 على أمل الفوز بأغلبية أكبر تمكنه من التخلص من احتمال التعامل مع حكومة التعايش الاشتراكي.
قد يصبح الوضع السياسي في المملكة المتحدة سيئاً، فرئيسة الوزراء تراس معزولة نسبياً داخل حزبها، حيث لم يدعم معظم نواب حزب المحافظين حملتها القيادية. وبعد أسابيع قليلة فقط من توليها لمنصبها، واجهت رئيسة الوزراء معارضة متزايدة من داخل حزبها، فقد جاء التغيير الجديد اليوم على معدل الضريبة 45 بنساً بعد أن قال أكثر من عشرة نواب من حزب المحافظين إنهم لن يدعموا الإجراء. لذلك في حال استمرت في مواجهة معارضة مماثلة لميزانيتها المصغرة، فقد تضطر إلى اتخاذ بعض الإجراءات الجذرية التي استخدمها ماكرون.
هناك أيضاً الكثير من أوجه التشابه الاقتصادية بين فرنسا وبريطانيا، حيث تواصل المملكة المتحدة التي تعتبر ثاني أكبر اقتصادات أوروبا، وفرنسا ثالث أكبر اقتصادات ، تحقيق الحد الأدنى من النمو بعد تراجع فرنسا من المرتبة السادسة إلى السابعة في التصنيف العالمي للناتج المحلي الإجمالي متجاوزة الهند، بينما احتلت بريطانيا المركز الخامس بفارق طفيف.
ومن أوجه التشابه الأخرى بين فرنسا وبريطانيا مشكلة التضخم، حيث وصلت نسبة التضخم الفرنسي إلى 6.2 في المائة، أما في بريطانيا فقد وصلت إلى 9.8 في المائة، وفي ألمانيا إلى 10.9 في المائة. ولمعالجة مشكلة التضخم في فرنسا أصدر إيمانويل ماكرون قراراً في شهر أيار الماضي – وإن كان لأغراض إنتخابية – للحد من أسعار الطاقة عن طريق إجبار شركة الكهرباء الوطنية على امتصاص الضربة التي تعاني الآن من عجز قدره 44 مليار يورو، كما قام بمنح الحكومة 55 مليار يورو من الإعانات للأسر والشركات لتعويض تكاليف الطاقة.
ومن أجل اللحاق بالركب، اضطرت حكومة ليز تراس إلى متابعة خطى ماكرون بشأن ارتفاع تكلفة الطاقة من خلال تقديم حزمة دعم بقيمة 60 مليار جنيه إسترليني للأسر والشركات في شهر أيلول الماضي، وجاء ذلك في نفس الوقت الذي تم فيه تخفيض عشرات المليارات من الجنيهات الضريبية، الأمر الذي سيؤدي إلى تضخم الديون.
على الرغم من أن نسبة دين بريطانيا إلى الناتج المحلي الإجمالي هي الأدنى في مجموعة السبع بحوالي 95 في المائة، وأقل من ديون فرنسا بنسبة 115 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن لدى كل من بريطانيا وفرنسا عجزاً قياسياً في ميزان المدفوعات، ويعانيان من عجز هائل في الميزانية (7.1 في المائة، وفرنسا 5 في المائة وآخذ في الارتفاع).
لقد عمل ماكرون على خفض المعدلات الأعلى للضرائب الشخصية إلى 48 في المائة، وخفض الضرائب على الأعمال التجارية، ورفض فرض ضرائب غير متوقعة، على الرغم من الاحتجاج العام، حيث يصر ووزير ماليته، برونو لومير، على تمويل كل شيء من خلال النمو الاقتصادي. لكن يبدو أن إجراءات ماكرون قد ألهمت ليز تراس، التي اختارت حزمة مالية مماثلة على الرغم من أن بعض الإجراءات من الواضح أنها لا تحظى بشعبية لدى الناخبين.
قد لا يرغب السياسيون البريطانيون والفرنسيون في الاعتراف أن هناك أوجه شبه بين بلديهما، لكن يجب أن يدرك أولئك الذين يحاولون نسب مشاكل بريطانيا الحالية إلى البريكست أن العديد من المشاكل التي تواجه بريطانيا مشتركة مع فرنسا، حيث يعاني كلا البلدين من مشكلات اقتصادية ومالية مماثلة، ويبدو أنهما يسيران أيضاً على نفس المسار السياسي.