تساؤلات في كل بيت سوري : هل بتنا أمام طريق مسدود في الوصول إلى حلول مجدية لتحسين الواقع المعيشي المتردي؟!
البعث الأسبوعية – غسان فطوم
أكثر ما يشغل بال المواطن اليوم هو الخوف من استمرار الوضع الاقتصادي المتردي، وكيف سيحسن وضعه المعيشي الذي وصل إلى درجة متردية وسط انعدام الحلول في تأمين أدنى متطلبات حياته، فالرواتب الهزيلة غير قادرة على حمل متطلبات الأسرة سوى ليوم أو ثلاثة أيام على أبعد تقدير، لتعيش بعدها في حيرة من أمرها كيف ستتدبر باقي أيام الشهر!.
اليوم السؤال الذي يعتبر قاسماً مشتركاً لكل السوريين: هل بتنا أمام طريق مسدود في الوصول إلى حلول مجدية لتحسين الواقع المرير؟!
لا شك أن الوضع المعيشي المتردي يجر باقي القطاعات الأخرى إلى الهاوية ولا يشكل فقط مشكلة اقتصادية منهكة لم تنجح الحكومات المتعاقبة في إيجاد حلول لها، بل زادت الأمور تعقيداً وها نحن اليوم نحصد التبعات.
تحت خط الفقر
فاليوم لم يعد خافياً على أحد أن قسماً كبيراً من موظفي القطاع العام وحتى الخاص باتوا تحت خط الفقر بسبب الراتب الهزيل الذي يتقاضاه الموظف قياساً بالأسعار الجنونية وبالتالي كيف له أن يتدبر أمره ؟!.
والأخطر في الأمر –بحسب الدكتور رامي أمون- أن هذا الوضع المعيشي المتردي انعكس على إنتاجية باقي القطاعات، متسائلاً: كيف يمكن لمدرس أو معلم أن يقوم بواجبه التعليمي وهو لا يمتلك ما يكفيه لتامين متطلبات وحاجات أسرته؟!، لا شك في أن هذا الوضع سيدفعه للبحث عن عمل آخر يعينه على بقية أيام الشهر، وبنتيجة ذلك سيعتل القطاع التعليمي والتربوي، وقس على ذلك في باقي القطاعات.
ويضيف الدكتور أمون: مؤلم جداً عندما يقارن الموظف صباحاً أيهما أربح له مادياَ بين أن يبقى نائماً في سريره أو أن يذهب لعمله الذي يكون به أجره اليومي لا يعادل مصروف الطريق عندها نعلم أننا فعلاً وصلنا إلى وضع لا نحسد عليه!.
وفيما يخص قانون الحوافز والمكافآت تمنى ألا تكون الضربة القاضية في العمل الوظيفي من خلال إجراءات تنفيذية غير قابلة للتطبيق، أو أن يكون هنالك أولويات لهذه الحوافز والمكافآت وفق اعتبارات ومعايير عادلة.
غياب الخطة الاقتصادية
إن المشكلة الأساسية لتدهور الوضع المعيشي والاقتصادي بشكل كبير هو عدم وجود خطة اقتصادية أو هوية واضحة للاقتصاد السوري، وذلك بحسب الدكتور أوس نزار درويش، مؤكداً أن الاقتصاد السوري حاليا هويته مجهولة وغير معروفة فلا هو اشتراكي ولا رأسمالي ولا اقتصاد سوق ولا أي هوية اقتصادية تنطبق عليه، فالسمة الأساسية له حالياً هي الفوضى العارمة والتخبط الكبير.
ومن أجل أن ننهض قليلاً يرى الدكتور درويش ضرورة العمل على تحديد خطة اقتصادية بطريقة علمية تناسب الظروف المعيشية القاسية والحصار القاسي الذي نعيش فيه ويتم تطبيق هذه الخطة بطريقة صحيحة لان الخطط الاقتصادية إذا طبقت بطريقة خاطئة وغير مدروسة تعطي نتائج عكسية كما جرى في السابق عندما تم تبني خطة اقتصاد السوق الاجتماعي عام 2005، وبالرغم من أنها خطة اقتصادية صحيحة في تلك الفترة ونجحت في العديد من البلدان إلا أنها في سورية طبقت بطريقة خاطئة وغير صحيحة بتاتا من قبل الفريق الاقتصادي الحكومي آنذاك فأعطت نتائج عكسية تماماً، لذا حالياً يتطلب اعتماد خطة اقتصادية واضحة تتلاءم مع ظروف هذه الأزمة والحرب الاقتصادية والإرهاب الاقتصادي المفروض على سورية وإلا الأمور ستبقى من سيء إلى أسوأ.
غير ضروري!
ويرى الباحث الاقتصادي الدكتور فادي عياش أن الفريق الاقتصادي لا يريد الاقتناع بأهمية الهوية الاقتصادية، أو يعتبرها “بريستيج” غير ضروري حالياً بحجة أن الظروف الراهنة غير مناسبة لتحديد هوية الاقتصاد والوقت غير مناسب للاستراتيجيات، لذلك نجد اتخاذ القرارات الآنية والترقيعية ولا نجد حلولاً جذرية، ونجد هيمنة ذهنية الجباية على أولوية التنمية، وهيمنة كابوس التثبيت القسري لسعر الصرف كهدف بذاته.
وشدد الدكتور عياش على ضرورة تحديد وترتيب الأولويات، والتي من أهمها: الاهتمام بتطوير القطاع العام ليصبح سليماً معافى قادراً على قيادة مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، والاهتمام بالزراعة والصناعات الزراعية، التصديرية، كونها الأقدر على تحقيق التعافي الاقتصادي، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى الشركات المساهمة العامة، هي النماذج الأنسب لمرحلة التعافي الاقتصادي والتحضير لمرحلة إعادة البناء والإعمار.
وأشار الدكتور عياش إلى مقترحات لحلول اسعافية منها، ضرورة توحيد سعر الصرف واعتماد السعر التوازني الحقيقي (الذي يتم التسعير بموجبه فعلياً وهو يفوق سعر الموازي بقرابة50%)، والعمل على توحيد أسعار كافة حوامل الطاقة، ومدخلات الإنتاج الزراعي أولاً لأنه مدخلاً للإنتاج الصناعي، وتوظيف الاحتياطيات الضخمة بالليرة، في الإنتاج حصراً وفق أولويات محددة ومحصورة ومتابعة بدقة، والإنتاج الزراعي أولاً.. وبشروط ميسرة جداً واستثنائية، والعمل على تجميد كافة الضرائب والرسوم وكافة الأعباء المالية الأخرى لفترة مدروسة بغية تخفيف التكاليف وضمان تحريك عجلة الإنتاج (لأن التضخم المهيمن حالياً سببه الرئيس هو تضخم التكاليف).
طريق مسدود!
وتساءل الزميل الصحفي مصطفى المقداد: من أين سيتدبر الموظف أو المتقاعد تكاليف معيشته؟، معرباً عن أسفه فيما يتعلق بقرارات الفريق الاقتصادي الذي لا تقدر أبعاد ما يقدم عليه، فالفقر يزداد وفرص العمل تنكمش، وأفاق الحلول مغلقة!.
بات ضرورة
وبرأي علاء أسعد الذي يمثل رأي الشريحة الأكبر من المواطنين أن تحسين الرواتب والأجور لم يعد فقط ضرورة اجتماعية بل تحول لضرورة اقتصادية بسبب الخلل الهائل بين أسعار السلع والخدمات ومن ضمنها المحروقات على سبيل المثال لا الحصر التي أدى رفع سعرها حصول زيادة في التضخم الحاصل وبين الرواتب والأجور، فيما رأي آخرون أن زيادة الرواتب لوحدها لن تكون كافية لتحسين الواقع المعيشي، بل يحتاج الأمر إلى إعادة نظر بنظام الرواتب والأجور والوظائف العامة في الدولة.
ويبقى السؤال إلى متى الانتظار، فالمواطن “الغلبان” لم يعد قادراً على الصبر وهو يكتوي كل يوم مئة مرة بنار الغلاء؟!