أخبارصحيفة البعث

واشنطن تعزف على وتر التصعيد مع روسيا

تقرير إخباري:

مع تقدّم الجيش الروسي على جبهات العملية الخاصة في أوكرانيا، وتحقيق روسيا النصر الساحق على جبهة العقوبات التي داستها بقدميها لترفع من شأنها الاقتصادي أكثر فأكثر، نرى على المقلب الآخر مجموعة من تصرّفات الإدارة الأمريكية الملوّحة بالتصعيد كتصريح ديفيد بتريوس، المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، حول إمكانية مشاركة فرقة متعدّدة الجنسيات بقيادة واشنطن في القتال إلى جانب القوات الأوكرانية، مضيفاً: إنّه “في حال تعرّض أحد أعضاء الناتو لهجوم يمكن للولايات المتحدة والدول الأخرى الردّ بطريقة أو بأخرى”، متناسياً تحذيرات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من عواقب وخيمة على العالم في حال تهوّرت قوات الناتو واشتبكت مع جيشه.

وفي خطوة أخرى أكثر تصعيداً وخطورةً، تعود الفرقة الأمريكية العسكرية “النسور الصاخبة” إلى الظهور مجدّداً في أوروبا بعد ثمانين عاماً، والتمركز في رومانيا على بعد ثلاثة أميال من الحدود الأوكرانية، مع تأكيدات من الرئيس الأمريكي جو بايدن لضرورة “منع روسيا من تحقيق نجاح في أوكرانيا”.

وهذه الخطوة تثير التساؤلات حول رسائل واشنطن، أو إمكانية ربطها بملفات أخرى مثل الانتخابات النصفية الأمريكية، في حين يرى بعض المحللين في ذلك مؤشراً واضحاً على تخوّف من دخول روسيا إلى عدد من بلدان “الناتو” في حال استمرارهم بدعم نظام كييف عسكرياً ولوجستياً، أو وصول روسيا إلى موانئ البحر الأسود للاستفادة منه في تخفيف الحظر عن صادراتها.

لكن قراءة الواقع تؤكّد أنّ هذه الخطوة مجرّد استعراض لقوة “الناتو” تُضاف إلى ما سبقها من خطواتٍ تعزيزية للحلف، وفي حقيقة الأمر كل ذلك لن يوقف، أو يؤثر في تقدّم العملية العسكرية الخاصة، وسط استبعاد الجانب الروسي للتوقعات القائلة بتمدّد الصراع إلى دول الناتو في ظل المعطيات الراهنة، واعتبارها مجرّد فبركاتٍ لزيادة “روسوفوبيا” في أذهان “الشعوب الأوروبية” التي يعيش أحلك ظروفها مع وصول الشتاء الأعنف إلى أعتاب أوروبا.

وبالمقابل، فإنّ الجانب الروسي غير ملتفتٍ لأية تحركات أو تغيّرات بما فيها سقوط عددٍ من الحكومات الغربية، ويركّز فقط على رفد قواته على الجبهات بأعدادٍ جديدة من العناصر ذات التخصّص والتدريب العالي المستوى، في ظل الفشل الذريع لنظام كييف المدعوم أمريكياً وغربياً باستعادة السيطرة على الجبهات التي خسرها وآخرها خيرسون.

من جهة أخرى، تنمّ تحرّكات أمريكا عن أزمة ثقة بينها وبين حلفائها الأوروبيين، وخاصةً بعد التصريحات الأوروبية المثيرة للاهتمام، وآخرها تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأنّ “أمريكا تبيعنا النفط بأربعة أضعاف سعره في الداخل الأمريكي”، وغيرها من تصريحات القادة الأوروبيين التي تشير بوضوح إلى تعرّضهم للغبن والابتزاز من الجانب الأمريكي، حيث يحقق أرباحه من خلال زيادة السيطرة وجرّ الأوروبيين نحو حظيرته سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، كما يُضاف إلى ذلك ازدياد معدلات التباين بالتعامل الأمريكي، إذ هناك حلفاء أوروبيون مقرّبون إلى أمريكا أكثر من غيرهم ضمن القارة العجوز، فبعد الشريكة بريطانيا تأتي بولونيا ودول البلطيق، ويشي واقع الحال أن فرنسا وألمانيا والدول الأخرى باتت في آخر أولويات الحليف الأمريكي، وأعراض هذا التباين باتت واضحة في شوارع أوروبا المشتعلة بالاحتجاجات والإضرابات والموقف الرسمي الأوروبي على حدٍّ سواء.

رغم كل المؤشرات التصعيدية المذكورة آنفاً، كان لافتاً الاتصال بين وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ونظيره الروسي سيرغي شويغو بعد قطيعة دامت خمسة أشهر، في ظل تأكيد الإدارة الأمريكية بقاء خطوط التواصل مع روسيا رغم الصدام الحاصل في أوكرانيا، في حديث مبهم تُستشف منه الرغبة الحقيقية لأمريكا في تجنّب الصدام المباشر مع روسيا.

بالمحصلة، فإن جميع التطوّرات، ومهما نفت فرضية حدوث الصدام المباشر، فإنها تقود أيضاً نحو نفي فرضية الوصول إلى تفاوض دبلوماسي بين القيادتين الأمريكية والروسية، فلا توجد حتى الآن أية نقاط تفاهم متوقعة بينهما، أي الاكتفاء بالحفاظ على التفاهم العسكري أو حالة “عدم الاشتباك” دون الوصول إلى التفاهم السياسي.

 بشار محي الدين المحمد