“نقيق” مسرح غني بالعناصر الفنية لنصّ مركب
ملده شويكاني
“بعد الحرب أبشع من الحرب” الجملة التي وردت في عرض مسرحية نقيق على مسرح الحمراء، والذي اختزل بمساراته التخريب والدمار الذي عاشه الشعب السوري جراء الحرب الإرهابية.
لم يتناول نصّ الكاتبة السورية روعة سنبل فظائع الحرب وانعكاساتها على الأشخاص في حياتهم اليومية والأسرية فقط، وإنما من خلال دراستها العلمية حللت الشخصية الرئيسة “مي” – ريم زينو – أستاذة التشريح في كلية الطب واقع الضفادع الذين حُكم عليهم بالموت لإجراء التجارب عليهم، فسُمي النص بنقيق إيماءة إلى نقيق الضفادع الذي يقي يلازم الأستاذة مي ويعذبها، ولم تجرؤ على البوح بهذا حتى للطبيب النفسي الذي يعالجها “حينما تصل المياه إلى درجة الغليان يعجز الضفدع عن التكيف، يقرر في هذه اللحظة القفز خارج الإناء، يحاول القفز ولكن دون جدوى، لأنه فقد قوته مع التأقلم بدرجة الحرارة المرتفعة، وسرعان ما يموت”.
الستائر البيضاء
ولكن كيف استطاع المخرج د. عجاج سليم التعامل مع النص الذي قدمه من إعداده وإخراجه؟؟
لقد تمكّن د.سليم بخبرته الطويلة من تقديم مسرح غني بالعناصر الفنية معتمداً بالدرجة الأولى على لغة الجسد، وعلى التداخل بين خطوط النص المركبة على الصعيد الجسدي والنفسي والعالم الداخلي والواقع رابطاً بين الخلفية السينمائية والخشبة للأشخاص ذاتهم، ومستخدماً الستائر البيضاء الشفافة الطويلة كأداة ربط بين العالمين الخارجي والداخلي من زاوية ما، ومن زاوية أخرى كانت أداة للتواصل بين المشاهد. كما اعتمد على السارد التعبيري من خلال الرقص التعبيري للصوليست- أليس رشيد- التي عبّرت بحركات جسدها المتضمنة حركة الضفادع على تصاعد الأحداث طيلة العرض الذي استمر خمسين دقيقة، إضافة إلى توظيف دقيق لأنواع الرقص الفالس والتانغو التي تزامنت مع لحظات حلم تعيشه مي عبْر ذكرياتها.
القفص والصوليست
وربما في البداية كان وجود القفص الذي أسرت به الصوليست دقائق غريباً أو يشد المتلقي لكن سرعان ما بدا الرابط بينه وبين البناء الأساسي للنص، وهو مواجهة الضفادع والحوار الخفي مع مي من خلال الشخصية الرئيسة الثانية “الضفدع” -وليد الدبس- الذي كان له تأثير على الجمهور بتجسيده شخصية الضفدع بحركاته الجسدية وقفزاته وظهوره المفاجئ حيناً، ليكشف حقيقة تعذيب الضفادع وهم أحياء في عملية شلّ حركة النخاع الشوكي والدماغ، فارتبطت المواجهة مع المشهد السينمائي الذي يصوّر بالتفصيل مراحل العملية “هل أنت أحدهم؟ نعم. ويمكنك القول: إنني كلهم”
التوظيف الجميل الذي اتبعه أيضاً المخرج بإقحام أشعار الشاعر السوري الراحل رياض الصالح الحسين برقة بغناء إيناس رشيد “أريد أن أحيا، لماذا كل هذه الأحجار” إضافة إلى ومضات جمالية تغنت بدمشق المدينة الخالدة بصوت نزار قباني وصوت فيروز “بكتب اسمك ياحبيبي” مع التأثيرات الصوتية والموسيقية.
النهاية كانت صادمة ومؤلمة جداً بكشف وجه الحقيقة فطوال العرض كانت المقعدة هي والدة عمار الطبيب المسافر زوج مي – وفاء- ندى العبد الله – بينما في اللحظات الأخيرة يفاجئ المخرج الجمهور بأن الأستاذة مي هي المقعدة جراء إصابتها بقذيفة شلت حركتها وقضت على ابنها فراس وهو في الخامسة من عمره وهما في الحديقة.
عملية المونتاج والخلاصة
وعلى هامش العرض تحدث المخرج عن العرض الذي تناول التأثيرات النفسية على الأشخاص نتيجة الحرب وبيان حالة الخلاص، وتابع بأن النص الحائز على المركز الأول في مسابقة الهيئة العربية للمسرح عام 2020 بعنوان الخيال والكتابة خارج النمط، يحتاج إلى مسؤولية ويحتاج إلى أدوات المسرح الحديث بعيداً عن التقليدية والنمطية لحمل هذه المشاعر إلى قلوب الناس، وكونه أحد أعضاء لجنة تحكيم المسابقة أحب النص منذ قراءته الأولى.
من جوهر العرض
ونوّه إلى أن النص عنصر من عناصر المسرح الغني بالأدوات التعبيرية الموسيقا والغناء والرقص شريطة أن تكون جزءاً عضوياً من جسم العرض وليست مقحمة، لأن المسرح له لغته العميقة وأي عنصر مستخدم هو ضمن جوهر العرض، وكانت النتيجة النهائية بخمسين دقيقة مدة العرض إلا أنهم اشتغلوا قرابة ثلاث ساعات ثم تمت عملية المونتاج مثل السينما واعتماد الخلاصة بكل دقة بعرض متكامل لا يعتمد على ممثل يحفظ ويؤدي، لأن المسرح يعتمد على كل الحواس، متمنياً أن يقدم العرض في كل المحافظات السورية، فكل الجمهور السوري يتابع ويحلل ويحترم العرض.
الممثلة ريم زينو التي نجحت بالدراما التلفزيونية عقبت بأنها ابنة المسرح وتابعت عن شخصية مي موجهة من خلالها رسالة بضرورة مواجهة الواقع بعيداً عن الهروب إلى عالم خفي من خلال الأحلام.