الرسالة التي سُحبت على عجل
عناية ناصر
تم إلغاء رسالة موقعة من قبل 30 عضواً من أعضاء “التجمع التقدمي” لمجلس النواب الأمريكي بعد يوم من صياغتها. كانت الرسالة ستحث الرئيس جو بايدن على الدخول في محادثات مباشرة مع روسيا لإنهاء الأزمة الأوكرانية، لكنها سحبت لأنها أثارت هجوماً شرساً من العديد من الديمقراطيين والجمهوريين الذين يعتقدون أنها فكرة غير واقعية.
دعت الرسالة بايدن إلى الجمع بين الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا بدفعة دبلوماسية استباقية، ومضاعفة الجهود للبحث عن إطار واقعي لوقف إطلاق النار، والذي يتضمن محادثات مباشرة مع روسيا. ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، كانت هذه هي المرة الأولى التي يدفع فيها أعضاء بارزون في حزب بايدن نفسه لتغيير نهجه تجاه أوكرانيا.
يعتبر حلّ النزاع الروسي الأوكراني بالوسائل الدبلوماسية اقتراحاً عملياً، فمع استمرار الصراع لأكثر من ثمانية أشهر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية، والطاقة، والسلع الأخرى، ما أدى إلى التضخم في جميع أنحاء العالم، حيث وصل التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له في 40 عاماً، وهي قضية داخلية شائكة يحتاج بايدن إلى معالجتها بشكل عاجل بعد أن هاجمه خصومه الجمهوريون بشدة بشأنها. لذلك، إن تخفيف الوضع في أوكرانيا بالطرق الدبلوماسية بدلاً من الوسائل العسكرية القاسية لتجنّب زيادة استهلاك الموارد الأمريكية يتناسب مع مصالح الحزب الديمقراطي والولايات المتحدة.
وفي هذا الخصوص، قال دياو دامينغ، الأستاذ المساعد في جامعة رينمين الصينية في بكين: لم يعرب التقدميون داخل الحزب الديمقراطي في البداية عن معارضة قوية لدعم بايدن لأوكرانيا، إما من منطلق ما يسمّى بالقيم المشتركة، أو العداء تجاه روسيا، أو الالتزامات تجاه الحلفاء، ولكن استمرار الصراع والتأثيرات السلبية للحرب على الاقتصاد الأمريكي هو ما دفعهم إلى اقتراح تغيير بايدن للمسار.
وفي ذات السياق، يعتقد شو ليانغ، الأستاذ المشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الدولية، أن الرسالة التي وقعها بعض التقدميين تعكس حقيقة أن هناك داخل الولايات المتحدة أشخاصاً لا يريدون أن تُجر الولايات المتحدة إلى مستنقع حرب طويلة. ومع ذلك، فإن النقد الذي وجهته الرسالة، ومن ثم سحبها، يظهران أن “الصواب السياسي” يهيمن في الولايات المتحدة، لكن بالنسبة للدولة العميقة في الولايات المتحدة، من الصواب سياسياً دعم أوكرانيا وفرض عقوبات على روسيا، وليس هناك مجال للتسوية.
وبالفعل، منذ بداية الأزمة الأوكرانية، واصلت الولايات المتحدة تحريض الدول الأخرى على تشديد العقوبات على روسيا، وتوسيع المساعدة العسكرية لأوكرانيا، مما يظهر أن الولايات المتحدة ليس لديها أية رغبة في لعب دور بناء في الصراع الروسي الأوكراني. ونتيجة لذلك، تم قمع الأصوات التي دعت إلى دفع دبلوماسي استباقي على الفور، ما يعني من الواضح أنه لا يوجد شيء اسمه “ديمقراطية” داخل الحزب الديمقراطي أو الولايات المتحدة، فآراؤهم وأصواتهم واحدة.
الانتخابات النصفية تلوح في الأفق، ونظراً لأن الأمريكيين لديهم وجهة نظر سلبية عن بايدن وأداء حزبه الديمقراطي، قد يعتقد الديموقراطيون أن إصدار الخطاب لا يفيد الحزب الديمقراطي لأنه يتعارض مع الصواب السياسي للولايات المتحدة فيما يتعلق بقضية أوكرانيا. ووفقاً لـتشانغ تينغ جون، نائب مدير قسم دراسات آسيا والمحيط الهادئ في معهد الصين للدراسات الدولية، فإن “ديمقراطيي الجناح اليميني يرون أن مصالح الانتخابات أكثر أهمية من حلّ الأزمة الأوكرانية”. وطالما استمر النهج السياسي المعادي لروسيا، وطالما استمر الأمريكيون في اعتبار السذاجة حرية سياسية، فلن يكون لدى الولايات المتحدة عقلية براغماتية للمفاوضات الدبلوماسية، فعندما يتم قمع أصوات البراغماتية والعقلانية، من المستحيل أن تلعب الولايات المتحدة دوراً عادلاً في قضية روسيا وأوكرانيا وأن تتحمل مسؤولياتها. وهذا يعني أن حل النزاع بين روسيا وأوكرانيا سيكون أكثر صعوبة، لأنه ليس مجرد صراع، بل هو اندلاع مركز للصراعات الجيوسياسية بين روسيا وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة.