دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة …نحو حرب أهلية ثانية

عناية ناصر

لم يعد خافياً على أحد انقسام الولايات المتحدة المفككة الآن، حيث يرى بعض الباحثين والمحللين أن الانفصال الأمريكي ليس ببعيد، إذ تتزايد مخاوف الأمريكيين مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة في طريقها نحو حرب أهلية جديدة. وفي هذا الشأن، يرى مقال نشر مؤخراً في صحيفة “التايم” أن 41 بالمائة من ناخبي بايدن، و52 بالمائة من ناخبي ترامب ممن استطلعت آراؤهم، يفضلون انفصال الولايات الحمراء أو الزرقاء عن الاتحاد لتشكيل دولتهم المنفصلة، مع استعداد  30 بالمائة من الجمهوريين، و11 بالمائة من الديمقراطيين للجوء إلى العنف لإنقاذ البلاد. وهذا يعني أن ما يقرب من 20 مليون أمريكي مستعدون للقتال في بلد يتواجد فيه  أكثر من 400 مليون قطعة سلاح.

في أوائل تشرين الأول الماضي، نقلت صحيفة “نيويورك تايمز” تخوف أحد المختصين في إدخال البيانات من حدوث شيء ما في الانتخابات النصفية، والتي ستكون “شبيهة بالسادس من كانون الثاني، ولكنها أكثر عنفاً”، حيث ستدخل جماعات الاحتجاج المسلحة من كلا جانبي الطيف السياسي في مواجهات عنيفة.

منذ أحداث الشغب في الكابيتول في 6 كانون الثاني 2021، تزايدت الإشارات إلى “الحرب الأهلية” في الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار قال المؤرخ جون ميتشام، الذي عمل كاتباً لخطابات الرئيس جو بايدن في بعض الأحيان، في مقابلة مع إذاعة “إن بي آر”، مطلع تشرين الأول الماضي، إن الولايات المتحدة معرضة بشكل كبير لخطر نشوب صراع أهلي مقارنة بفترة الكساد الكبير.

وفي سياق متصل، حذرت باربرا ف. والتر، أستاذة العلوم السياسية في جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، في كتابها الأكثر مبيعاً: “كيف تبدأ الحروب الأهلية: وكيف نوقفها”، من أن الولايات المتحدة تقترب بشكل خطير من تلك الأوضاع التي تؤدي إلى حرب أهلية.

وتعد السجالات المتزايدة حول اندلاع حرب أهلية جديدة تجسيداً لمخاوف الأمريكيين وقلقهم بشأن الأزمات المتعددة التي تواجهها الولايات المتحدة، حيث أصبح  الاستقطاب – الانقسام الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين وكذلك داخل قواعدهم الخاصة – أكبر نقاط ضعف الولايات المتحدة اليوم، وبناء على ذلك ستتعاظم المواجهات بين المعسكرين بشكل مستمر خاصة خلال موسم الانتخابات. كما أن الاستقطاب السياسي والانقسام الاجتماعي والصعوبات الاقتصادية كلها عوامل يمكن أن تجعل الأمريكيين يتحولون إلى متطرفين.

تواجه الولايات المتحدة حالياً العديد من التحديات منها التضخم، وعدم المساواة العرقية، والجرائم، وتعاطي المخدرات، وتغير المناخ، والهجرة، وما إلى ذلك. وإذا كان الأمريكيون لا يثقون في بعضهم البعض، وحاولوا الاعتراض أو استخدام حق النقض ضد أي حلول يجب على الطرف الآخر تقديمها، فسيصبح حل كل هذه المشاكل أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً، خاصةً أن الحزبين تواجها  لفترة طويلة وبشراسة  في مجالات مثل مكافحة الأوبئة، والتنمية الاقتصادية، والإصلاح الانتخابي، والسيطرة على السلاح، وأصبح من الصعب بل من المستحيل على الولايات الأمريكية المفككة إصلاح مشاكلها الاجتماعية والحصول على حكومة فعالة.

وفي مقال نشر في صحيفة “التايم”، وحمل عنوان “الولايات المتحدة تتجه نحو حرب أهلية ثانية. إليكم كيف يمكن تجنبها”، فكر المؤلف، وهو وسيط معروف في حل الصراع والحد من الاستقطاب، في كيفية مساعدة المجتمع الأمريكي المنقسّم بشدة على تجنب حرب أهلية أخرى، وذلك من خلال اقتراح مبادرات الحد من الاستقطاب مثل مجموعات بناء الجسور المحلية والمجتمعية، ومحاولات جمع الأمريكيين من خلال العمل على تجاوز كلا الحزبين لخلافاتهم، لكن هذه الإجراءات بعيدة كل البعد عن كونها قادرة على إنقاذ البلاد المتعثرة.

في سياق متصل، قال ويليام جونز، مدير مكتب واشنطن لمراجعة الاستخبارات التنفيذية الأمريكية: “في الوقت الحالي، يبدو أنه لا يوجد برنامج لحل الخلافات، إذ أن كلا الحزبين يخضعان إلى حد كبير لسيطرة عناصرهما الأكثر راديكالية، الأمر الذي يجعل بناء الجسور صعباً للغاية، إن لم يكن مستحيلاً”. وأشار إلى أن أي عملية مصالحة ستكون طويلة وصعبة، وستتطلب شخصية قيادية مُجهزة وعلى استعداد لمعالجة المشكلة، لكن في الوقت الحالي، لا توجد مثل تلك الشخصية القيادية.

تبدو الولايات المتحدة المنقسمة الآن على صفيح ساخن، حيث يعتقد تشانغ تينغ جون، نائب مدير قسم دراسات آسيا والمحيط الهادئ في معهد الصين للدراسات الدولية، أن الولايات المتحدة كانت في الحقيقة تحت وطأة حرب أهلية “باردة” تتسم بالاستقطاب الشديد وانعدام الثقة، وأضاف “وهي ليست بعيدة كثيراً عن مرمى حجر حرب أهلية ساخنة، ومن المحتمل أن تشتعل القشة الأخيرة بسهولة”.

وفي هذا الخصوص، حذر محللون من أن الولايات المتحدة  التي لديها أسلحة أكثر من الناس، وفي مجتمع مدجج بالسلاح، يمكن للقوى المتطرفة التي تشعر بالإحباط أن تلجأ بسهولة إلى العنف، فالولايات المتحدة التي كانت تتدخل بوحشية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لفترة طويلة، وتحرض الدول الأخرى على الانقسام وخلق المواجهة، تأكل الآن الثمرة المرة لانقسامها الداخلي. وفي ضوء ذلك، لن يفاجأ أحد إذا حدثت أعمال شغب أخرى في الكابيتول، أو وقوع حادثة مماثلة، أو حتى انفصال أمريكي، ومثال على ذلك الهجوم على  منزل رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، في سان فرانسيسكو، وتعرض زوجها للضرب. وسواء كان ذلك هجوماً حقيقياً أو مفبركاً، فإن هذه الحلقة قبل انتخابات التجديد النصفي تثير الصدمة بما فيه الكفاية، فقد وصل “المشهد الجميل” إلى منزل بيلوسي، وهو أمر غير مستحيل بالنسبة لبلد يعاني من الانقسام العميق بالفعل ويزداد في التفاقم.