حكومة نتنياهو والمشهد المتغير
سمر سامي السمارة
في انتخابات الكنيست قبل أيام، صوّت “الإسرائيليون” بكثافة للأحزاب العنصرية المتطرفة، والتي تتبنى علانية سياسة قتل وتشريد الفلسطينيين، أصحاب الأرض الحقيقيين، وتعزيز الطابع اليهودي للكيان الصهيوني.
وسيكون حزب “القوة اليهودية”، بزعامة بيتسائيل سموتريتش ونائبه إيتمار بن غفير، أكثر شخصيتين عنصريتين في التاريخ القصير للكيان الصهيوني، العمود الفقري لحكومة نتنياهو الائتلافية، فقد دعا زعيم “القوة اليهودية”، الذي سيكون الشريك الأبرز لمشيخات الخليج في الاتفاقات الإبراهيمية، إلى قتل الفلسطينيين وطردهم من وطنهم. وكان قبل أسابيع قد لوّح بمسدسه في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة وسط مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال التي رافقت أنصاره.
والمؤكد أنه لا فرق بين الائتلاف الفائز والائتلاف المهزوم (لابيد– غانتس)، فكلاهما يتفقان على العداء والكراهية للعرب، وكان الجنرال بيني غانتس، وزير الحرب في الحكومة السابقة، يتباهى بأنه الإسرائيلي الذي قتل أكبر عدد من العرب، وهذا صحيح، فقد قتلت حكومته 166 فلسطينياً منذ بداية العام. ومع ذلك، يرى مراقبون أن هذه الحكومة العنصرية من شأنها أن تسَرع في زوال الكيان الصهيوني، وتؤدي إلى نهايته الحتمية، وخاصةً مع استمرار النضال الفلسطيني وداعميه في محور المقاومة.
وبحسب محللين، يمكن لحكومة نتنياهو وائتلافها المتطرف أن تعود، فور توليها السلطة، إلى ضمّ الضفة الغربية، وترحيل أصحاب الأرض الحقيقيين إلى الأردن كـ”وطن بديل”، وإحكام السيطرة اليهودية على القدس المحتلة بهدف محو هويتها العربية. وقد تكون الخطوة الأولى تقسيم المسجد الأقصى على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، ثم هدمه وإقامة “الهيكل” المزعوم على أنقاضه، فضلاً عن إلغاء أو تجميد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان على غرار ما حدث لاتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين، وقد أعلن نتنياهو صراحةً نيّته القيام بذلك أثناء حملته الانتخابية.
يعود نتنياهو اليوم بحكومته المتطرفة إلى سدة الحكم، وسط صراعات وانقسامات داخلية متصاعدة، والأهم من ذلك، انتفاضة متجدّدة في الضفة الغربية، وشعب يستعيد عافيته، ويعود للمقاومة بقوة في كافة الأراضي العربية المحتلة.
ومن المؤكد أنه لا يمكننا الحديث عن مقاومة في الضفة دون الحديث عن الجيل الجديد الذي تمثله مجموعة “عرين الأسود” ( لواء جنين) الذي أربك حسابات الكيان المحتل منذ اللحظة الأولى لعملياته النوعية، وخاصةً مع توسّع حضوره المقاوم، إذ لا يكاد يمرّ يوم دون أن نشهد عملية فدائية في مناطق متفرقة من الضفة، في نابلس وجنين والخليل، ولاحقاً في رام الله، ثم في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل عام 1948.
وقد ينجح نتنياهو في ضمّ المزيد من مشيخات الخليج إلى اتفاقات أبراهام، ومع ذلك، فإن مثل هذه الألعاب البهلوانية السياسية لن تكون ذات قيمة مع تصاعد مؤشر عمليات المقاومة، فقد عبّرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية، عن القلق والإرباك جراء الفعل المقاوم لمجموعة “عرين الأسود”، ووصفت عناصرها بالمقاومين الجدد، أو بمقاومي الجيل الثالث في الضفة الغربية الذي يعدّ الأشد خطراً على أمن “إسرائيل”، وقالت إن جيش الاحتلال بدأ يصطدم بنوع آخر من المقاومين يمتازون بأنهم الأكثر جرأة وشجاعة، ويسعون للمواجهة ويرفضون الاستسلام، ولا يهمّهم انكشاف شخصياتهم على صفحات التواصل الاجتماعي.
والحال، فإن نتنياهو العائد لا يمكن أن ينسى أيضاً معركة “سيف القدس” التي أذلته وأهانته، ودفعت أكثر من 6 ملايين مستوطن إسرائيلي للعيش في الملاجئ تحت الأرض، لأكثر من 11 يوماً. و”إسرائيل” التي يعود نتنياهو إلى حكومتها، هي نفسها التي تركها، فيما العالم الذي كان يعرفه عندما كان لآخر مرة في السلطة، لا يشبه عالم اليوم. فداعمه الأمريكي غارق في حرب استنزاف غير مسبوقة مع روسيا في أوكرانيا.
لقد تغيّر الوضع الآن بشكل كبير، وسيضطر نتنياهو للاختيار في عصر التعددية القطبية. أما “عرين الأسود”، فقد غيّرت بشكل فعّال جميع المعادلات وقواعد الاشتباك في فلسطين المحتلة. وفي هذا السياق ربما تكون عودة نتنياهو المتشدّد إلى السلطة “مرحباً بها”!.