صراف آلي لبيع وشراء الزمن!
غالية خوجة
ماذا لو كان عمر كلّ إنسان معلوماً، وحياته ظاهرة على ذراعه اليسرى أرقاماً مثل الساعة التكنولوجية وبأجزاء أجزاء الثانية؟ وماذا لو أن وحدات البيع والشراء والرواتب والأجور ليست نقوداً بل وقتاً يضاف إلى العمر أو ينقص من العمر؟ وماذا لو كان لهذا العمر بطارية أو بطاقة صراف آلي ذكية أو كبسولات زمنية قابلة للتخزين؟ وماذا لو كان هناك أحد بني البشر امتلك تريليون عاماً من هذه الوحدات ويظهرها وريده على ذراعه اليسرى؟ ماذا لو تمّت سرقة الوقت؟ وماذا لو احتجت لساعة من الوقت لترى أمك أو ابنك ولم يتبرع لك أحد من وقته؟ ماذا لو كان هناك زعيم عصابة يحتكر أعمار وحيوات الناس؟ وماذا لو كان له حامية باسم حراس الوقت؟.
أسئلة كثيرة يطرحها فيلم الخيال العلمي في “الوقت المحدد – In Time”، وهو من كتابة وإنتاج وإخراج أندرو نيكول، أسئلة يطرحها مع ما شابهه من الأعمال الأدبية والسينمائية مثل “رجل الساعة– تيك توك”، “ثمن الحياة”، “هروب لوغان”، وجميعها تعترف بالفناء رغم سعيها إلى الخلود بطريقة تكنولوجية تدمج العلم والواقع والعالم الافتراضي، وكأنها تعيد إنتاج الفكرة الخالدة للأساطير والخرافات والملاحم بين ماء الحياة وعشبة الخلود.
ترى، كم من القلق سيصيبنا لو كانت أعمارنا في هذه البورصات والبنوك الحديثة؟ ولربما، تفقّدَ كل منا عمره كلّ ثانية ليتساءل: هل أضحي بيوم من حياتي مقابل شراء هذه الوجبة؟ هل أمنح أختي سنة من حياتي في عيد ميلادها؟ كيف سأنجز عملي قبل أن ينتهي عمري؟ لم يتبقّ لي سوى 5 دقائق، فكيف نسيت تنزيل راتبي؟ أو ماذا سأبيع من ممتلكاتي لأضيف لعمري نصف ساعة؟.
الوقت يمرّ، والحياة التي نجربها مرة واحدة فقط تمرّ، والزمن الفيزيائي الذي نمضيه على هذه الأرض محدود لكنه غير معلوم، والحمد لله أنه ليس كما يتخيله البعض، وإلاّ لقضينا حياتنا ونحن نفكر بالوقت فقط ونعيش من أجل تحصيله، فنصاب بأمراض نفسية وجسدية وأخلاقية شتّى.
ومن نعم الله علينا أنه ترك الزمن المحدود والمحدّد المكتوب على حياة كلّ منا مجهولاً، لنفكر بأمور أخرى من أجل إعمار هذه الحياة التي استخلفنا فيها، لذلك، ما أجمل أن نتوقع موتنا أو فناءنا في كلّ ثانية ونحن موقنين بحياة أجمل تليها، ليزداد قلبنا محبة وعطاء، وتزداد عقولنا إبداعاً وتفكيراً في مجالات الحياة المختلفة، ونترك آثاراً تمكث في الأرض لتنفع الناس، فلا نكون زبداً على شواطئ العمر والحياة.
أمّا أسرار بيت القصيد، فتكمن ليس في العمر المديد الذي يحياه أو يعيشه كلّ منا، فكم من الأنبياء والصالحين عاش عمراً قصيراً لكنه ترك آثاراً خالدة، وكذا فعلت الكثير من الشخصيات الإنسانية، كلّ منها في مجالها الذي أدّت رسالتها الإنسانية من خلاله ومضت، لكن، لم يمض ما أتت به من أفكار وعلوم على مرّ التأريخ والعصور.
وحتماً، لم يعبر “ويلز” مع آلة الزمن إلى الماضي، لكنه ترك الفكرة المؤثرة، ليخوض علماء اليوم اختراع آلة علمية تجرّب استعادة لحظة الانفجار الكوني العظيم، ولم يجزم أينشتاين بأن نسبيته لا تحتاج إلى نسبية أيضاً قد يطورها إنسان ما في زمان ما ومكان ما، ولم تكن المعلقات الشعرية مجرد قصائد، بل كانت نصوصاً توثيقية أيضاً للذات والمجتمع والبيئة، ولم يسافر ابن بطوطة ضارباً في الأرض ليكتب أدب الرحلات، بل ليوثق الحياة، تماماً كما فعل ابن الغزي وغيره، ولم يحفر أجدادنا رموزهم على الكهوف إلاّ لتستمر العلوم والمعارف والاختراعات والفنون والأبجدية والأفكار والحياة.