مجلة البعث الأسبوعية

تراجع الخصوبة يهدد الجنس البشري

سمر سامي السمارة

على الرغم من أن ما سنذكره قد يبدو بمثابة عنصر مؤامرة مأخوذ من رواية تراجيدية، إلا أن دراسة مثيرة للقلق نُشرت يوم الثلاثاء الماضي وجدت أن الخصوبة لدى الرجال في جميع أنحاء العالم قد انخفضت لأكثر من النصف منذ سبعينيات القرن الماضي، وهي أزمة متفاقمة قال العلماء أنها يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً للبشرية إذا لم يتم معالجتها على وجه السرعة.

نشر الدراسة، التي قامت بتحليل بيانات من 57000 رجل، من 53 دولة، فريق دولي من الباحثين في مجلة ” تحديث التكاثر البشري”، حيث أشارت النتائج إلى انخفاض معدل الخصوبة العالمي إلى 62.3٪.

هذه الدراسة قامت بتحديث، وتعزيز بحث سابق اقتصر نطاقه على أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا ونيوزلاندا. لقد وجدت الورقة البحثية الجديدة، لأول مرة، أن الرجال في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يعانون من انخفاض نسبة الخصوبة بالقدر نفسه الذي يعانيه الرجال في المناطق الأربعة التي تمت دراستها سابقاً.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الباحثين أكدوا في تقريرهم أن معدل التناقص متسارع للغاية، حيث انخفض معدل الخصوبة بنسبة 1.16٪ كل عام منذ عام 1972، ولكنها انخفضت بنسبة 2.64٪ سنوياً منذ عام 2000.

يقول هاجاي ليفين، الأستاذ في كلية هداسا براون للصحة العامة، والمؤلف الرئيسي لدراستي 2017-2022: “سنواجه مشكلة خطيرة يمكن أن تهدد في نهاية المطاف بقاء البشرية إذا لم يتم تلافيها، وندعو بشكل عاجل إلى اتخاذ إجراءات عالمية لتهيئة بيئة صحية أكثر لجميع الأنواع والحد من التعرض للسلوكيات التي تهدد صحتنا الإنجابية”.

 

ما هو السبب في التراجع الخطير لنسبة الخصوبة؟

يقول ليفين لـ شبكة “هيلثي بولسي وتش”: “إن المتسبب الرئيسي هو تعرض الأم للمواد الكيميائية التي يصنعها الإنسان أثناء الحمل، وثمة صلة بالمواد الكيميائية التي تُستخدم في المبيدات الحشرية، والأعشاب، إلى جانب عوامل مثل البدانة، والتدخين، والضغط، والنظام الغذائي، والغازات السامة، وتلوث الهواء”.

وبدورها، أشارت شانا سوان، عالمة الأوبئة البيئية والتناسلية في كلية الطب في ماونت سيناي في نيويورك – في كتاب جديد – إلى أن أزمة الخصوبة الوشيكة تشكل تهديداً عالمياً يمكن مقارنته بأزمة المناخ، وحذرت من أن نسبة الخصوبة تنخفض ​​في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2045 يمكن أن تصبح نسبة الخصوبة لدى للرجل في أدنى معدلاتها.

كتبت سوان كتاباً يحذر من أزمة الخصوبة بعنوان: “العد التنازلي: نسبة الخصوبة كيف تهدد عالمنا الحديث، وتغير النمو التناسلي للذكور والإناث، وتعيق مستقبل الجنس البشري”، محذرة من أن معدل الخصوبة في العالم الغربي قد انخفض بنحو 59% في السنوات بين 1973 و2011.

اليوم، يمكن القول إن نصف دول العالم لديها معدلات خصوبة أقل من 2.1 تقريباً، وهو العدد المطلوب للحفاظ على استقرار أو نمو عدد السكان. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى ثلثي الدول، حيث تؤكد سوان أن هناك العديد من الدوافع لهذا الاتجاه المزعج يرتبط بعضها بنمط الحياة، وتوازن مختلف تماماً بين العمل والحياة عن الأجيال السابقة، لكنها تضيف أن التلوث عامل مهم أيضاً. وأوضحت أن المواد الكيميائية الموجودة في البيئة تخل بالتوازن الهرموني، وتتسبب في درجات مختلفة من الفوضى التناسلية، مؤكدةً أن هذا لا يمكن أن يستمر دون رادع.

جدير بالذكر، أن الدراسة أظهرت أيضاً تراجعاً مطرداً في مستويات هرمون التستوستيرون خلال القرن الحادي والعشرين، وبهذا الشأن يقول ريتشارد شارب، الإستاد في مركز الصحة الإنجابية في جامعة إدنبرة غير المشارك في الدراسة الجديدة، لصحيفة “الغارديان”: “إن الدراسة قدمت تكهنات معقولة، لكن النقطة الأساسية التي يجب تسليط المزيد من الضوء عليها أن هذه الأخبار سيئة للغاية لخصوبة الزوجين”، وشدد شارب على أن هذه القضايا ليست مجرد مشكلة للأزواج الذين يحاولون إنجاب الأطفال، إنها أيضاً مشكلة كبيرة للمجتمع في الخمسين عاماً القادمة، حيث سيكون عدد الشباب القادرين على العمل في تناقص مع وجود زيادة كبيرة في تعداد كبار السن.