ماكرون في واشنطن.. لن يكون هناك اختراقات جوهرية
عناية ناصر
سيستضيف الرئيس الأمريكي جو بايدن نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون الأسبوع المقبل في زيارة تهدف إلى تسليط الضوء على الصداقة الفرنسية الأمريكية بدلاً من المنافسة الاقتصادية بين جانبي المحيط الأطلسي.
يعتقد كوي هونغ جيان، مدير قسم الدراسات الأوروبية في معهد الصين للدراسات الدولية، أن زيارة ماكرون تعبر بالكامل عن نية الولايات المتحدة الواضحة لإدراج فرنسا في أجندة بايدن السياسية، حيث تدرك واشنطن أن لفرنسا كلمة و رأيا مهما في الشؤون الأوروبية، وتأمل في ممارسة نفوذها على ماكرون لإصلاح وتحسين علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا.
لقد بات معلوماً أن الولايات المتحدة تقوم باستغلال أوروبا على خلفية أزمة الطاقة الحالية، الأمر الذي أثار استياء ماكرون، حيث نقل عنه قوله في تشرين الأول الماضي :”بحكم الصداقة الوطيدة، سنقول لأصدقائنا الأمريكيين والنرويجيين: أنتم رائعون، لكن الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة هو أننا ندفع أربعة أضعاف عن السعر الذي تبيعه لصناعاتكم، وهذا ليس بالضبط معنى الصداقة”.
إضافة إلى ذلك فقد أضر قانون خفض التضخم الأمريكي بالقطاعات والشركات ذات الصلة بشدة في جميع أنحاء فرنسا وبقية أوروبا، الأمر الذي دعا ماكرون لانتقاد ذلك في مناسبات عدة، حيث قال في أوائل تشرين الثاني الحالي، إن القانون لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية، ووصفه بأنه لا يمت بالصداقة لأوروبا.
على الرغم من أن خسارة الديمقراطيين لم تكن ساحقة، كما كان متوقعاً في الانتخابات النصفية الأمريكية، إلا أن فقدان السيطرة على مجلس النواب يعني أنهم سيقيدون من قبل نظرائهم الجمهوريين في تقديم المساعدة لأوكرانيا، فمع استمرار أزمة أوكرانيا، تأمل واشنطن أن ترى أوروبا تواصل لعب أو حتى توسيع دورها في دعم الأوكرانيين.
إضافة إلى ذلك، تواصل الولايات المتحدة اعتبار الصين خصمها الرئيسي، لكن في مواجهة تراجعها النسبي لا تستطيع واشنطن التعامل مع الصين دون دعم حلفائها، وخاصة أوروبا. وقد ذكرت تقارير حول زيارة ماكرون للولايات المتحدة أن هناك قضايا ومسائل شائكة واضحة لن تتم مناقشتها، وأنه لن تكون هناك اختراقات جوهرية في مفاوضات ماكرون مع بايدن، إذ أقصى ما يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة هو تنازلات محدودة بشأن الشركات الأوروبية، أو غيرها من القضايا التي تهم الأوروبيين، حيث لن تقوم الولايات المتحدة بتعديل هذا القانون أو تتخلى عنه بالكامل وفقاً لإرادة فرنسا أو أوروبا، لأن منطقها دائماً هو الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة أو السعي وراءها.
زعمت بعض وسائل الإعلام الغربية أنه من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة وفرنسا بإظهار الوحدة حول “التهديدات المشتركة” من روسيا والصين، وليس من المستغرب أن يتحدث ماكرون مع بايدن عما يسمى بالتهديد الصيني حتى في السياق الذي قال فيه ماكرون إنه يعتزم زيارة الصين أوائل العام المقبل، وذلك لأن فرنسا تعتبر ما يسمى بالتهديد الصيني ورقة مساومة للتفاوض مع واشنطن، ما يزيد الضغط على الأخيرة من أجل المزيد من المصالح لفرنسا أو أوروبا.
وعند الحديث عن زيارة ماكرون للولايات المتحدة، تفكر بعض وسائل الإعلام أيضاً في أن فرنسا قد دفنت الأحقاد بشأن صفقة “أوكوس”، الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا التي نسفت عقد غواصة فرنسية كبيرة ودفعت بالعلاقات الفرنسية الأمريكية إلى نقطة الانهيار.
وعلى الرغم من التناقضات بين البلدين، إلا أن الولايات المتحدة لا تزال تأخذ زمام المبادرة، ويتعين على أوروبا، بما في ذلك فرنسا، قبول القيادة الأمريكية بغض النظر عن كيفية استفادة الولايات المتحدة منها، ولذلك فقد حان الوقت لأوروبا لكي تتقدم لتحقيق الحكم الذاتي الاستراتيجي، لأنه خلاف ذلك لا يمكنها الهروب من مصير التضحية بمصالحها خدمة لمصالح واشنطن.