الإنتاجية الصناعية.. محاولات تصطدم بالنقص الحاد لحوامل الطاقة.. والقيمة المضافة في ذمة “توقف العمل”
بشير فرزان
ربما تجعل الظروف الاقتصادية والمعيشية، وكلّ التحديات التي تواجه المؤسّسات الصناعية العامة والخاصة، وواقعها المأساوي وإمكانياتها المتهالكة والمتواضعة، مع النقص الحاد في حوامل الطاقة، وغيرها من المستلزمات الإنتاجية الغائبة، من الحديث عن الإنتاجية في هذه الظروف مضيعة للوقت وغير مجدٍ، وفيه الكثير من التجني على الحالة الصناعية، رغم أن تجارب الشعوب في زمن الحروب لناحية الإنتاج تثبت العكس، وهذا ما يطرح تساؤلات متعدّدة عن المراحل التي تمّت إلى الآن لترجمة هذه المفاهيم إلى حقائق مجسّدة على أرض الواقع لناحية زيادة الإنتاج وخفض التكاليف وخفض أسعار المنتجات وانعكاس ذلك كلّه على الدخل الوطني والمقدرة الشرائية، والتي يتأثر بها كلّ من المنتج والعامل والمستهلك، وكذلك السؤال عن ترتيبنا بين المجتمعات التي خاضت التجربة ذاتها في الحرب، وعملت على الاستغلال الأمثل للموارد والإمكانيات المتاحة بهدف الحصول على إنتاج أعلى بجودة مقبولة وسعر مناسب مع واقع المعيشة، مع الانتباه لخصوصية الحرب على سورية.
فأين نحن من ذلك كله؟ وهل نستطيع أن نضع أنفسنا موضع مقارنة مع بعض الدول التي عاشت تجربة مشابه لتجربتنا في ظل الإجراءات الاقتصادية التي يشهدها البلد؟
العديد من الدارسين والباحثين الذين التقيناهم في كلية الاقتصاد والتجارة أكدوا أن مفهوم زيادة الإنتاجية لا يقتصر على مجرد الإنتاج وتنمية الثروة الوطنية، وإنما يتسع المفهوم حتى يشمل أموراً كثيرة، مثل زيادة الطاقة الإنتاجية ورفع مستوى المعيشة للعمال والمجتمع بأسره، وتنشيط كافة مجالات التطوير والإبداع، والنهوض بالمجتمع في شتى النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تقود إلى حصول أفراده على قدر كبير من الرفاهية وقدر أكبر من التعليم والرعاية الصحية وتوفير السكن اللائق والمريح.
ويمكن القول إن الوصول إلى إنتاجية أعلى وتحقيق الكفاية الإنتاجية في مرحلة كهذه أصبح معقداً ومتشابكاً، بحيث أصبحت الكفاية وسيلة أساسية تنظم الحياة، وبرأيهم أن هناك أسباباً متعدّدة تقف حائلاً دون زيادة الإنتاجية، كالإسراف في استخدام الموارد ووسائل الإنتاج الأخرى.. إسراف من شأنه التعجيل باستنزاف هذه المواد وتلك الوسائل قبل الأوان، بما يترتب على ذلك من تعطيل للإنتاج واللجوء إلى شراء البديل من الدول الأجنبية، وكذلك افتقار العاملين للخبرة التي تؤهلهم لإدارة شركاتهم إدارة ناجحة تؤدي إلى زيادة الإنتاج وزيادة الدخل الوطني في الوقت ذاته. ولعلّ ذلك مردّه ضعف التدريب الذي يؤهلهم للقيام بأعمالهم على نحو يكفل زيادة الإنتاج من ناحية، والارتفاع بمستواهم الاجتماعي من ناحية أخرى.
التواصل مع مديري المعامل والشركات العامة والخاصة والحديث عن الإنتاجية لم يكن موفقاً لأسباب مختلفة تتعلق بواقع الإنتاج في هذه المؤسسات، لكن وبكل الأحوال هناك من يميّز بين زيادة الإنتاج وزيادة الإنتاجية، إذ يختلف الكثيرون في تحديد مفاهيمها، حيث يمكن زيادة الإنتاج من سلعة ما بازدياد عناصر وسائل الإنتاج الموظفة لهذا الغرض، مع ما يمكن أن يتركه ذلك من هدر في الأموال الموظفة والمساحات المشغولة أو المواد المستخدمة أو في طاقة الآلات، أو من وجود بطالة مقنعة في عدد العاملين اللازمين لمراكز العمل للقيام بالمهام التي تؤدي إلى كمية الإنتاج المطلوب، بينما يرى آخرون أن زيادة الإنتاجية تعني زيادة كمية الإنتاج مع ثبات وسائل الإنتاج في وحدة الزمن، في حين أن الماليين يرون أن الإنتاجية هي ما تقدمه الليرة الموظفة من ريعية، أما الاقتصاديون فيرون أنها الزيادة في القيمة المضافة أي ما يضيفه العامل الواحد إلى الدخل. وفي كلّ الحالات يمكن التعبير عن الإنتاجية بشكل رياضي وفق القانون التالي: الإنتاجية = المخرجات مقسومة على المدخلات، ويمكن أن تفصل قوائم التكاليف كمدخلات وفق ما هو معمول به في بلدنا إلى الأجور وقيمتها والمستلزمات السلعية والمستلزمات الخدمية والمصروفات التحويلية الجارية والمصروفات التحويلية المتخصّصة.
إن ضحالة نسب الأجور إلى إجمالي الإنفاق، وخاصة بعد الفورات السعرية المتتالية، يوضح مدى تدني الإنتاجية الاقتصادية لدينا مع تدني حصة العامل، وإن سجلت مستوى أعلى في قطاع الخدمات، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على أن اقتصادنا هو اقتصاد خدمي، مع أن الإنتاجية بشكل عام هي شيء نسبي تقارن ما بين مؤسستين من حيث وسائل الإنتاج والمنتجات، أو بين إنتاجية المؤسسة نفسها في فترة محدّدة وفترة أخرى وينطبق ذلك بالنسبة لإنتاجية العامل أيضاً، وتؤثر الزيادة الإنتاجية إيجابياً على الاقتصاد الوطني وذلك من خلال تحقيق العديد من القضايا التي تشكّل مرتكزات أساسية ودعائم اقتصادية حقيقية تسهم في استقرار الاقتصاد ونمو موارده باستمرار، ويأتي في مقدمة هذه الدعائم زيادة الطاقة الإنتاجية بصفة عامة وتوفير المواد الخام التي تصبح عبئاً رغم ما تتكبّده من أموال طائلة تدفعها ثمناً لهذه المواد الخام وتنشيط القوة الشرائية عن طريق المزيد من السلع وخفض تكلفتها، وهذا ما ينعكس على الأسعار مما يساعد في زيادة الطلب عليها كما يسهم ذلك في تحقيق العدالة الاجتماعية بصفة عامة مما يؤدي إلى رفع مستوى معيشة الأفراد جميعاً.
إن موضوع الإنتاجية يثير اليوم العديد من التساؤلات، وخاصة في ظل هذا الجدل الدائر حول أنظمة التحفيز وربطها بالإنتاجية، كذلك النقاش المتواصل منذ سنوات حول الخطوات التي تمّت لتغيير واقع الصناعة الوطنية. فهل الإنتاجية الحالية للمؤسسات والشركات الصناعية تتناسب مع الصورة التي ترسم للتطور الصناعي الحاصل في كلا القطاعين العام والخاص؟ وهل يوجد إنتاجية حقيقية؟ أم أنها إنتاجية ورقية مدورة من عام لعام؟ مع التأكيد أن واقع الصناعة والإنتاجية لا يختلف كثيراً عن واقعها قبل الحرب رغم خصوصية الظروف التي فرضتها الحرب، فقد كانت الإنتاجية غائبة أو شبه معدومة؟