الوطن والمواطن والحكومة
عبد اللطيف عباس شعبان
واجبات الوطن الاقتصادية قائمة لا ينكرها عاقل، وهي كبيرة وكثيرة، فالوطن مليء بالموارد والخيرات المتعدّدة والمتنوعة، وعلى سطح أرضه خيرات فائضة بكلّ ما عليها من نبات وشجر وتراب وحجر، وجوف أرضه مليء بالمعادن والغاز والنفط، وفي سمائه القريبة الهواء النقي وسمائه البعيدة تعجّ بالغيوم الماطرة في مواسمها بالماء الذي جعل الله منه كل شيء حيّ، وماؤه النهري والينبوعي يعمّ الكثير من أرضه ومياهه الجوفية بحور في أعماق أغلب أرضه، وبحره (الطويل الشاطئ) الذي يجاور محافظتين خيِّرتين يصله بالعالم عبر المحيطات، وتعجّ أعماقه بالغاز والنفط والماء النقي، كما أثبتت الدراسات، وأمواجه تتناوب لتلقي السلام على ترابه كل ثانية.
أما حقوقه على حكومته ومواطنيه، فتتركز على أهمية وضرورة قيام الحكومات بواجباتها الكبيرة المتمثلة بتفعيل دور الدولة الممثلة بالمؤسّسات والتشريعات القائمة على أرضه، لاستثمار خيراته المكشوفة الكبيرة والكثيرة بالشكل الأمثل، واستثمار الناتج في استثمار الكثير مما تختزنه، بالتوازي مع تطوير وتحديث المؤسّسات والتشريعات بالشكل الذي يخدم الاستثمار المطلوب بأوله وتواليه، وأيضاً عليها واجب توجيه وإرشاد جميع العاملين في المؤسّسات على اختلاف مهامهم الإدارية العليا والوسطى والعاملين التنفيذيين إدارياً وفنياً وإنتاجياً بما يواكب التحديث والتطوير المنشودين، وتأهيلهم وتمكينهم مادياً ومعنوياً من أن يندفعوا وجدانياً بهذا الاتجاه، انطلاقاً من رضاهم التام بما هو متاح لهم من حقوق، وما يرونه ويتمثلونه من قدوة مثلى في قياداتهم الأعلى المتسلسلة صعوداً، وهذا واجب الحكومة على العاملين في المؤسّسات، وحقها عليهم الالتزام بأنظمة عملها وأداء عملهم بمهارة وكفاءة، والتنبيه والإشارة إلى كلّ العيوب والنواقص التشريعية والتنفيذية آنياً، لمعالجتها في حينها، بما يضمن أفضل إنتاجية فردية ومؤسساتية.
ليس للحكومة أي حقّ على الوطن، ولكنها صاحبة الحق والواجب فيما يخصّ مؤسسات الدولة، إذ من واجبها أن تفعِّل هذه المؤسّسات لتحقيق أفضل إنتاجية إدارية وسلعية، وأن توزِّع العاملين في المؤسّسات من منطلق الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن تراقب العاملين فيها بكافة مهامهم لتحقيق ذلك، بما يتوافق بين واجباتهم وحقوقهم، على أن يكون الواجب مدخلاً للمطالبة بالحق، وحضور الحكومة الاقتصادي واجب أساسي من واجباتها، من خلال الحفاظ على دورها الإنتاجي وتأسيس الموازي والمكمل له، لا أن تتهاون في الحفاظ على الموجود وتقصّر في إحداث الجدوى.
وأيضاً واجبها ملزم لها تجاه المواطنين الآخرين الذين لا يعملون في مؤسسات الدولة، ولكن لجميعهم دور اقتصادي خدمي وإنتاجي، أكانوا يعملون لحسابهم أو بأجر لدى آخرين، أكان مياومة أو مداومة، وحق المواطنين على الحكومة أن تقوم بتجهيز جميع البنى التحتية التي تمكّنهم من استثمار ممتلكاتهم الخاصة في الميادين الزراعية والحيوانية والحرفية والصناعية والخدمية، فإنتاجهم رديف أساسي لإنتاج مؤسسات الدولة، وواجبهم استثمار ممتلكاتهم أفضل استثمار بحيث ينتجون الكثير من حاجاتهم الاستهلاكية والخدمية ويساهمون في الإنتاج القابل للتسويق داخل القطر وخارجه، لا أن يتوقعوا أن الحكومة معنية بأن تقدّم لهم كلّ ما يحتاجونه أو يفرضون ذلك على بعضهم البعض، فحق الاستهلاك قائم ما كان واجب الإنتاج قائماً، في ضوء مقومات الإنتاج المتوفرة، والمواطنون مسؤولون بدورهم عن تأمين الكثير من مقومات الإنتاج، ومن واجبهم الالتزام بالتشريعات المعمول بها من الحكومة، والنقد البنّاء لكل إجراء عملي أو تشريع نظري، يثبتون الحاجة الماسة لمراجعته تعديلاً أو إلغاءً.
يخطئ كلّ مواطن يعتقد أن له حقاً على الوطن، أكان من العاملين في مؤسسات الدولة أو مواطناً عادياً، فحقه على الحكومة وعلى نفسه، ومجرم كلّ عامل في المؤسسات الحكومية أياً كانت مهمته يرى أن من حقه استغلال مؤسسته وموقعه الوظيفي لمصلحته الخاصة، ويمارس ذلك تحت أية حجة كانت، ومجرمون أولئك الذين يغطون له ذلك من المفاصل الأدنى أو الجهات الرقابية أو الجهات الأعلى، وحقيقة الأمر أنه لا يستطيع مسؤول أن يمارس استغلال مؤسّسته من خلال موقعه، ما لم يجدا تعاوناً أو تغاضياً من الجهات المذكورة، ومخطئ من يقول لم يعد العيش ممكناً في هذا الوطن، حال رأى نفسه مغبوناً، إذ ليس من حقه لوم الوطن، بل من حقه توجيه اللوم والعتب وربما التقريع والردع، لبعض المفاصل الحكومية في مؤسّسات القطاع العام والمشترك والتعاوني أو تلك على اختلاف مهام المفاصل أو المؤسسات، حال رأى فساداً في أدائها أو رأى ذلك في سلوك العاملين في القطاع الخاص والأهلي، حال كان أداؤهم سيئاً أو مقصراً أو مغشوشاً، على أن يكون استنكاره بعيداً عن ممارسة أي نوع من أنواع الاعتداء الشخصي، فالمؤسّسات المعنية هي المكلفة بمعالجة ذلك، والقانون هو الحكم بين الجميع.
وليس من حقكم أيها المواطنون المجرمون الذين تعتدون على المؤسّسات العامة احتجاجاً على ما ترونه من غبن في حقوقكم، فالحكومة ممثلة بالمسؤولين في مفاصل معينة هي المسؤولة عما تحتجون عليه من تردي الأوضاع، وليست مؤسّسات الدولة التي هي ملك الوطن ويتناقلها مواطنوه جيلاً بعد جيل، ولا تتغافلوا أيها المجرمون عن أنه ليسوا قلة أولئك المواطنون الذين لا يقلّ فسادهم عن فساد أي مسؤول، وأنتم منهم ولو لم تمارسوا أي فساد إلا اعتداءكم على المؤسسات العامة.
حبذا ألا تتهاون الحكومات – وكم تهاونت – عن القيام بواجباتها في استثمار طاقات الوطن وتحقيق الإصلاح المنشود وكبح جماح الفساد ومحاسبة المعتدين على المؤسسات العامة، على أن يكون اهتمامها منصباً بشكل أولى على المفسدين والفاسدين، مع تخفيف الكثير من حالات الصفح والعفو، إذ ما كلّ صفح في مكانه..، ولا كلّ عفو في زمانه..، والأفضل تلازم العقوبة مع الصفح والعفو..، لا بل تغليب العقوبة عليهما..، والعصا لمن عصا أولاً بأول، والمعالجات الفاعلة تبدأ في الأسباب التي توصل إلى النتائج، ودرهم وقاية خبير من قنطار علاج.
*عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية