فنيات الذائقة
غالية خوجة
تختلف ثقافة كل إنسان عن الآخر اختلافاً جمالياً متكاملاً لتستمر الحياة.
وتختلف الذائقة بين الناس، فكل منهم يفضّل لوناً، كتاباً، موسيقا، أغنية، طعاماً، وهذا الاختلاف في ثقافة الذائقة وفنياتها ناتج عن عدة عوامل نفسية واجتماعية وتعليمية، بعضها فطري يعكس المزاج والحالة وتطوير هذا المزاج واستساغة العمل على الارتقاء بالذات، وبعضها مكتسب من خلال المحاكاة والتقليد والمجتمع. وتبعاً لعدة عوامل، يكون الإنسان أحد أفراد الجمهور، أو أحد المتلقين.
والمتعارف عليه أن الجمهور يشترك بذائقة متقاربة حتى التطابق، فيأتلف مع ما يسمع أو يشاهد أو يقرأ، وتستهويه المعلومات والفنيات البسيطة التي لا تحتاج إلى عملية ذهنية تفاعلية، لأنه من فئة المستقبِل للرسائل المختلفة التوجيهية، الثقافية، الفنية، الترويجية، وغالباً، ما يكون منفعلاً، غير تشاركيّ كما في حالة المتلقي الذي لا يعتمد على مزاجه الجمعي ومزاجه الخاص، بل على ثقافته التي كوّنها وتشكّل معها لينتقد الرسالة والمرسِل، رغم أنه في موقع مستقبِل الرسالة، على اختلاف أهدافها وغاياتها وأساليبها، فيكون فاعلاً، ناقداً، وواعياً في المجال الذي يناقشه، وقد يكون شريكاً في إنتاج الرسالة بحدّ ذاتها، سواء كانت فيلماً أو مسرحية أو أغنية أو إعلاناً أو ندوة أو كتاباً أو معرضاً أو مهرجاناً أو قصة أو قصيدة أو معلومة سواء كانت سياسية، اجتماعية، أدبية، اقتصادية، دينية، أخلاقية، إعلامية، دعائية، مما يساعده على الكشف عن مدى جوهرها وأبعادها، متسائلاً: هل هي رسالة بريئة ومغلوطة؟ بريئة وهادفة لدس السم في الدسم؟ أم أنها رسالة تتذاكى، غبية، أم ذكية؟ وماذا عن توقيت بثّها وانتشارها ومكان بثها وتوسعها؟ وما دور وأهداف الوسيلة الناشرة لها سواء كانت واقعية أم افتراضية؟ ما الجهات المتخفية خلف نص الرسالة؟ ومن هو المرسِل الحقيقي لا الظاهري؟ ولماذا؟ وخصوصاً فيما إذا كانت الرسالة تتمظهر بإنسانية منشغل بالها على الجمهور الذي هو فريستها باطناً، كما فعل الإعلام المعادي في زمن الجحيم العربي مستنداً على ذائقة الشريحة العريضة من الناس، أي الجمهور، وذلك بعد دراسات اجتماعية ونفسية مرت بأزمنة وأطوار ومتابعات وتكثيفات، خصصتْ كافةَ الإمكانات العقلية والواقعية والافتراضية، لخدمة أهداف الجحيم القريبة والبعيدة، ليدخل إلى الذوات من خلال الإقناع أولاً، ثم من خلال توظيف هذه الذوات من الجمهور البشري كأدوات دون علمها أو بوعيها، ثم ليدفعها لمزيد من التخريب الذاتي أولاً، ثم الأسري، والاجتماعي، والاقتصادي، والوطني.
وللخطة الجهنمية الممنهجة مراحل مختلفة مترابطة ومتسلسة كأهدافها وغاياتها المتشعبة الآنية والمستقبلية، وكعناصرها القائمة على إنتاجها وتفعيلها وتنشيطها والعناصر التي تستهدفها هذه الخطة بتفاصيلها وكليتها وبدائلها.
والوعي المستنير وحده الذائقة الكاشفة بخبرتها لكل معتم، وهو الذي سينتبه كيف أطلق المبرمجون على الأدوات التكنولوجية مصطلح الذكية، وهذا المصطلح ليس غبياً لأنه يعني “الذكاء الاصطناعي”، ويعني، بالمقابل، أن الإنسان غبي..كيف؟
ألا يشعر الناس – سواء كانوا جمهوراً أو متلقين – بأنهم أصبحوا شبْه مبرمَجين أو مبَرمجين تبعاً للمبرمِجين التكنولوجيين وأدواتهم الافتراضية؟ وأصبح هذا الذكاء الصناعي متحكماً بعقولهم وتفكيرهم وحياتهم؟ وبالتدريج، ومع تقادم الأجيال القادمة، سيكون أغلب الناس على كرتنا الأرضية أقل ذكاء من الذكاء الاصطناعي؟
ولا بد من نسبة كبيرة من المتلقين لردّ هذه الهجمة، أو تحييدها، أو إنتاجها مع الآخر، لأن فئة قليلة من المبرمِجين ممتلكي الأدوات سيستولون على أكثرية الناس ويسيّرونهم تفكيراً وطريقةَ حياة، كما فعلت في زمن قريب ثلة من الناس امتلكت أموال العالم لتجوّع البشرية وتحولها إلى جمهور يستغبي معها المتلقين إن وجدوا.