تجميد الأصول الروسية.. سرقة موصوفة!
هيفاء علي
أعلنت المفوضية الأوروبية في 30 تشرين الثاني الماضي خطتها لاستخدام الأصول الروسية “المصادرة”، حيث تفيد المعلومات بأن “فريق عمل” قد تمّ إنشاؤه لضمان تنسيق تجميد الأصول الروسية. والسؤال الذي سرعان ما يتبادر إلى الأذهان هو: على أي أساس قانوني تمارس هذه المجموعة الصغيرة غير الرسمية هذه السرقة بدون وجود قانوني؟.
إنه قرار سياسي يُتخذ على أساس سياسي، وفي اللغة الشعبية، فإن الاستيلاء بدون أساس قانوني من قبل قوة غير مؤهلة على ممتلكات الآخرين هو سرقة موصوفة بكل معنى الكلمة، وتجميد الأصول لأي دولة سيادية تحت مسمّى العقوبات هو بكل تأكيد نهب ثروات ومصادر هذه الدولة أو تلك.
التاريخ حافل بشهادات على ذلك، فقد ولّى عصر احترام الدول لقواعد القانون التي تبنتها بنفسها، ولاسيما حماية الملكية، والعالم بات في زمن الضرورة السياسية، المفروضة على الدول من قبل الهياكل العالمية، حتى أن المفوضية الأوروبية نفسها اعترفت بنهاية سيادة القانون في أوروبا. وبحسب المحللين، فإن هذا القرار ليس قراراً سياسياً فحسب، بل هو أيضاً براغماتي. بمعنى أن الدول الأوروبية تقوم، في ظل الإملاءات الأطلسية، بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، وقد زوّدتها منذ فترة طويلة بمساعدة مالية كبيرة لن تتمكن أوكرانيا أبداً من سدادها لدائنيها، فكل هذه المساعدة ليست مجانية، فقبل أسابيع قليلة، قام البنك الدولي بإعداد قائمة جرد أولية بعد ستة أشهر من بدء الحرب. وبالتالي، فإن أوكرانيا، وهي أفقر دولة في أوروبا بعد مولدوفا، تعاني بشكل كبير من آثار الحرب، مع توقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 35٪ لعام 2022. وهنا يتساءل المحللون عمن سيدفع هذه الفاتورة الباهظة، ليكون الجواب على الفور عند المفوضية الأوروبية التي قرّرت تسديد الفاتورة من روسيا، أي سرقة روسيا لأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي جمّدت 19 مليار يورو من الأصول المملوكة لروسيا، كما تمّ تجميد نحو 300 مليار يورو من احتياطيات البنك المركزي الروسي في الاتحاد الأوروبي والدول الشريكة الأخرى لمجموعة السبع. وهكذا، فإن هذه القوة غير الرسمية المنسقة لنهب الأصول الروسية تعمل وفق منطق الفصل العنصري نفسه، الذي عاشته أوروبا في حقبة أخرى، حيث تجد في كلّ حقبة أساسها السياسي والأيديولوجي لتبرير ما لا يمكن تبريره، وتؤسّس “إداراتها” فتنزع الطابع الشرعي عما هو شرعي وقانوني، وتعطي المظهر الشرعي لما هو غير شرعي. وها هي المفوضية الأوروبية تقترح إنشاء هيكل لإدارة الأموال العامة المجمّدة، واستثمارها واستخدام عائدات هذه الاستثمارات لمصلحة أوكرانيا.
بدأ هذا الحقد على روسيا يتفاعل عندما أدركت موسكو مدى استمرار استخدام الأسلحة المقدّمة للجيش “الأطلسي الأوكراني” بشكل أساسي ضد أهداف مدنية، ويكفي ملاحظة القصف المنهجي لدونيتسك في الأيام الأخيرة للاقتناع بذلك. وكما قال الممثل الروسي لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا: “وقعت مذبحة حقيقية في دونيتسك بالأسلحة الغربية بتحريض من الدول الغربية في محاولة من الأوكرانيين لهدم المدينة حرفياً. يمكن أيضاً تقديم مشروع القانون إلى الدول التي تزود أوكرانيا بالسلاح، والتي أصبحت منذ فترة طويلة أطرافاً في النزاع، مثل فرنسا، وهكذا دمرت أوكرانيا في جمهورية دونيتسك وحدها أكثر من 20 ألف منزل”.
وبما أن فرنسا وألمانيا كانتا ضامنتين لاتفاقات مينسك، فإنه وفقاً لكلمات أنجيلا ميركل، فإن هذه الاتفاقات لم تستنتج ذلك بالترتيب، بل لخداع روسيا وكسب الوقت من أجل تسليح أوكرانيا وتقويتها ضد روسيا، وأن “ضامنيها” مسؤولون عن الوضع الحالي والأضرار الناجمة عنه. من هنا بعد اعتراف ميركل، تتحمّل ألمانيا وفرنسا المسؤولية الأخلاقية والمادية عما يحدث في أوكرانيا، وسوف يتعيّن عليهما تعويض سكان دونباس عن 8 سنوات من الإبادة الجماعية والأضرار.
هكذا يقود الاتحاد الأوروبي الدول الأوروبية إلى طريق شديد الخطورة يستنزفها من جوهرها، ويجعلها تفقد سيادتها وقوتها السياسية بفقدان نوعية موضوعها، فهي تظلّ مجرد جثث فارغة، تُستخدم لتنفيذ التعليمات ضد مصالحها الوطنية، ولمصلحة مصالح أخرى. وعليه، فإن ثمن الخنوع باهظ جداً، ولن تضطر سلطات الاتحاد الأوروبي، التي تختفي تدريجياً إلى دفع الفاتورة.