المركزي يرفع سقف السحب.. تاجر: التقييد قلل الاعتماد على المصارف – خبير: الإجراء قد يكون طويل الأجل
دمشق – ريم ربيع
يبدو أن المصرف المركزي يتجه مؤخراً لـ “حلحلة جزئية” لبعض قيود السحب وتداول السيولة بعد عامين تقريباً من إحكام القبضة عليها، حيث بدأ العام الجديد بقرارين: أولهما رفع قيمة الحوالات الداخلية إلى مليوني ليرة، والثاني رفع قيمة السحب اليومي من المصارف إلى 10 مليون ليرة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، و15 مليون ليرة للبيوع العقارية، بعد أن كان السقف 5 مليون ليرة للأشخاص و10 للبيوع، فيما حافظ المركزي على سقف السحب المفتوح لكل من المنظمات الدولية والسفارات ومصارف التمويل الأصغر والجمعيات الخيرية وشركات الوساطة المالية ورواتب القطاع الخاص وسحوبات القطاع العام، وتجار نقاط البيع ورواتب الدفاع المحلي.
قرارات المركزي الجديدة تأتي بعد اعتراضات عدة من تجار وصناعيين ومستثمرين على تقييد السيولة، بما ينعكس على مرونة أعمالهم، حيث سبق وبرر سياسة التقييد بأنها للحد من كم السيولة في التداول واستغلاله في المضاربة على الليرة، فيما أكد حاكم المصرف المركزي بأكثر من مناسبة على التجاوب مع الطلبات التي يتقدم بها أي شخص لرفع سقف السحب إن كانت مبررة بما فيه مصلحة الإنتاج، في الوقت ذاته يرى البعض أن هذا التوجه الجديد لم يأت سوى لمجاراة التضخم الكبير ولن يكن له انعكاسات مؤثرة.
ربط السحب بسعر الصرف
الخبير المصرفي الدكتور علي محمد أوضح أن هذا الرفع جاء نتيجة التضخم الحاصل، ومطالبات الشركات والأفراد برفع سقف السحب، لا سيما من اعتبروا أن قانون البيوع العقارية يشكل عاملاً معرقلاً نتيجة وجوب تحويل 15% من قيمة العقار من المشتري للبائع عبر البنوك، وتجميد مبلغ 500 ألف لثلاثة أشهر، فمثلاً إن كانت القيمة المحولة 45 مليون، كان يحتاج البائع 5 أيام لسحبها، واليوم 3 أيام، ومن لديه وديعة بقيمة 300 مليون ليرة، سيحتاج سحبها وفق القرار السابق 60 يوم عمل، واليوم أصبح 30 يوم عمل.
وأضاف محمد أنه مع قيام المصرف المركزي بأول أيام 2023 برفع سعر الصرف إلى 4522 ليرة بعد أن كان 3015، وقبلها 2814، فربما اتجه بعد دراسات معينة لربط سقف السحب بمقدار يتناسب مع سعر الصرف، مبيناً أن مصرف سورية المركزي يتبع السياسات النقدية الحالية تحت أهداف معينة، تتلخص بإدارة سعر الصرف واستخدام الأدوات الرقابية للحد من المضاربة، ولمتابعة وجهة استخدام الأموال، وذلك وفق حسابات يفترض أن يقوم بها لمعرفة حجم العرض النقدي، والمتوفر من القطع، والمعطيات التي قد تنذره بالمضاربة، لذلك حدد السقف تجنباً لعمليات سحب مفاجأة واستخدامها بالدولرة أو المضاربة.
سحب الذرائع
واعتبر محمد أن تقييد السيولة يعد من الأدوات التي يحق للمركزي تطبيقها لفترة زمنية قصيرة نتيجة أي اهتزاز بسعر الصرف، وبما أننا نعيش تغير متواتر بالسعر من صيف 2013 وبشكل أدق من بداية 2019، فقد طبق المركزي هذه السياسة لفترة متوسطة الأجل وقد تكون طويلة، لكن عندما تتعالى صيحات بعض الفعاليات بأن السقف الموضوع لا يلبي احتياجاتهم العملية ويعرقل عملهم، فيجب النظر بالأمر، وهنا عمل المركزي على سحب هذه الذريعة عندما سمح للمصارف بأن تعد قوائم بطلبات العملاء لرفع سقف السحب مع الوثائق والثبوتيات، وتم الاستجابة لها، أي أن شريحة المستثنين من القرار اتسعت أكثر من البنود الموجودة في متن القرار، ولم تعد حجة لأحد.
وعرّج الدكتور محمد إلى القرار الخاص بمنع نقل الأموال بين المحافظات بما يتجاوز 5 مليون ليرة، حيث اعتبره صدر بلا أية قدرة على ضبط تنفيذه، فإن بقي على حاله ولم يصدر قرار جديد بتعديله ورفع السقف، سيبقى قراراً صورياً لا يمكن ضبطه.
استعادة الثقة
بدوره، رأى أيضاً عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن ارتفاع التضخم وانخفاض القوة الشرائية قد يشكلان بعض أسباب رفع السقف، مؤكداً أن أي قيود لهذا النشاط يكون منعكسها سلبياً بالنسبة لقطاع الأعمال، فعملية الإيداع والسحوبات من المصارف يجب أن تكون ميسرة بشكل كبير حتى تستعيد المصارف قوتها ونشاطها، ويستعيد قطاع الأعمال ثقته بالإيداع.
ولم يخفِ الحلاق أن تقييد السحب والسيولة في السوق قلل من الاعتماد على المصارف بشكل كبير رغم أنها شريك حقيقي بالتنمية الاقتصادية وليست مجرد “حقيبة آمنة”، فيفترض بالمصارف أن تكون شريكاً تنموياً عبر الحصول على أموال المودعين وإعادة توظيفها واستثمارها، ومن هنا فإن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي هي أهم مطالب قطاع الأعمال، مشيراً إلى أن الدول الأخرى تعتمد على التحويلات المالية بين المصارف بدل السحب المباشر، وتطبيق هذه العملية محلياً يلزمه الثقة بالقدرة على الإيداع والسحب بأي وقت وأية قيمة.
ليس سبباً كافياً
من جهة أخرى، اعتبر الحلاق أن على الحكومة أتمتة عملياتها بشكل كامل بهذا المجال، فمثلاً هناك جهات معينة بالجمارك تقبل بشيك مصدق، بينما ترفضه جهات أخرى مشترطة الدفع الكاش، أما بالنسبة لطلبات رفع سقف السحب التي أكد المركزي تجاوبه معها، أوضح الحلاق أنها تشمل جهات دون أخرى، أي أن طلبات السحب لجمعيات خيرية أو لمشاريع إنتاجية مثلاً تلقى تجاوب المركزي، لكن التاجر يعتبر طلبه برفع السقف غير مبرر.
وفيما يعتبر الحد من المضاربة على الليرة في السوق أهم أسباب التقييد النقدي وفق المركزي والحكومة، لم يرَ عضو غرفة التجارة أنه سبب كاف للسياسة المتبعة، موضحاً: لا أومن بأن الحركة الكبيرة للسيولة هي سبب لتبدلات سعر الصرف، فوجود السيولة ودوران الليرة وإحياء قطاعات العمل الإنتاجية والزراعية والتجارية هو الأفضل لقوة الليرة، وإجراءات المركزي رغم أنها انعكست إيجاباً على سعر الصرف، لكن انعكاسها سلبياً على توفر المواد وأسعارها، متسائلاً: ما الفائدة من تثبيت سعر الصرف إذا كانت الأسعار بدول الجوار أرخص من الداخل، ولم ينعكس التثبيت على الأسعار محلياً.