“أيام لا تنسى”.. حكاية بألوان الحياة
سلوى عباس
شكلت أحداث الحرب التي امتدت لسنوات طويلة خلفية للموضوعات التي طرحها صنّاع الدراما في أعمالهم، فجاءت معبّرة عن هموم المواطن ومعاناته، وهذا ما يتجلى في تجربة الفنان أيمن زيدان لمسلسل “أيام لا تنسى”، للكاتبة فايزة علي في تجربتها الأولى عن رواية “ألف شمس مشرقة”، للأفغاني خالد الحسيني، والذي يُعرض على قناة “سورية دراما”، فظروف الحرب التي نعيشها في سورية تتشابه مع ظروف الحرب الظالمة التي عاشها الشعب الأفغاني، ما يؤكد على المصير المشترك للشعوب، إذ عملت الكاتبة على مقاربة الأحداث بين البلدين بما يتناسب وظروفنا التي نعيشها بسبب هذه الحرب.
والمكان يمثل الحامل الأساسي للصورة الدرامية وتجلياتها، بغض النظر عن البعد الجمالي الذي تبرزه الدراما للجغرافيا السورية، وهذا ما رأيناه في كثير من الأعمال الدرامية التي عرّفتنا على مناطق في سورية ما كان لنا أن نعرفها لولا الدراما التي تضيف للبعد المعرفي بعداً جمالياً يظهر من خلال أماكن التصوير التي يعتمدها مخرجو الدراما. وهذه الرحلة بدأها أيمن زيدان من دمشق، حيث صوّر عدداً من مشاهد العمل، ومن ثم انتقل إلى طرطوس ليستكمل التصوير في أكثر من منطقة هناك، وليعيش مع طاقم العمل أياماً لاتنسى بكل ما فيها من الجهد والتعب العابق بنشوة العطاء. وقد كانت الطبيعة أحد الأبطال الأساسيين في العمل، حيث أعاد بتجربته هذه الاعتبار للجغرافيا السورية التي غابت عن الدراما السورية، وحُرم منها المواطن السوري بسبب الحرب.
ربما ما يحسب للعمل هذا التناغم بين أبطاله، حيث غابت الفروقات بين أجيال الفنانين المشاركين في العمل، والتي كانت تبدو واضحة سابقاً في الأعمال الدرامية السورية والعربية. لكن في “أيام لا تنسى” كان الجميع أبطال الحكاية، تقاسموا أدوارهم كل حسب المساحة المتاحة لشخصيته، والجميع أبدعوا في ذلك، ما أضفى على العمل حالة من التكاملية من خلال رؤية إخراجية احترافية، وهذا أيضاً يُحسب للفنان أيمن زيدان الذي اعتدنا على إتقانه للعمل الذي ينسجه بروحه ووجدانه، ولنا في أعمال كثيرة له ما زالت حاضرة في وجداننا، كـ “ليل المسافرين” و”طيور الشوك”، وغيرها، خير مثال.
يتناول العمل حالة الإنسان المهزوم والمقهور بسبب بؤس الحياة والحرب، عبر حكايات ثلاث نساء هن: دينا (ديمة قندلفت)، مريم (حلا رجب)، ليلى (رنا كرم) اللواتي يعشن حالات من الانكسار والحزن والخيبة، حيث اختلط الهم العام مع الهم الشخصي لكل واحدة منهن. وفي منحى آخر، نرى ثلاث نساء من جيل آخر يعشن حالات مشابهة من الوجع الذي أدمى أرواحهن، هن: ملك (سوزان نجم الدين)، فريزة (صباح الجزائري)، مرح (عبير شمس الدين) فأحداث العمل، التي تمتد منذ عام ١٩٩٠ وحتى الآن، يقع تحت وطأتها الجميع: الرجال والنساء، ما يجعل رسالة العمل تحمل في طياتها صورة عن نمط العلاقات الإنسانية التي تفرزها الحرب، والمصائر المتشابهة لشخصيات تعيش أياماً حُفرت في ذاكرتهم بحلوها ومرها. من هنا، كان هذا العمل بكل الحالات التي جسدتها شخصياته انعكاساً لأرواحنا المثقلة بالمرارة والوجع من حرب حفرت ندوبها في وجداننا، فالحب والعلاقة الإيجابية بين المشروع وكل عناصره ساهم في خلق أجواء مثالية للعمل، وبناء شراكةٍ متينةٍ انعكست بكل صدق في الصورة البصرية التي شدت المشاهد لمتابعة العمل، وبإمكاننا القول: إن تكامل النص والإخراج والتمثيل في “أيام لا تنسى” أعاد الاعتبار للحكاية التلفزيونية بكل حيثياتها وألقها.