أين التربية التبجيلية؟
غالية خوجة
ليست من مخلّفات الحرب، لأنها متجذرة بفترة ما قبلها، ودلائلها الانخراط الأعمى في السلوكيات الظلامية أثناء وبعد الحرب.
والسؤال: أين تربية الأهل والأسرة والرعاية والقيم؟ وأين القداسة في كل حرم عائلي وعام، ومنها التعليمي انطلاقاً من الروضة إلى الجامعة؟ وما دور المسؤولين في التربية والتعليم؟ وكيف اختلط مفهوم الحرية كمسؤولية وواجبات، بالحصول، فقط، على الحقوق رغم أن الحقوق نتاج طبيعي لاحق لهذا الأداء الإيجابي السابق للسلوكات التكليفية الواجبة تبعاً للتربية والأعراف الأسرية والمجتمعية والتعليمية والتربوية والثقافية والقانونية والمدنية والحضارية؟
مهما كانت أسباب ونتائج الحرب والحصار، فلا يجوز أن تنفي الأغلبية الأخلاق في غرف الذات المظلمة، وتبرّر ذلك بالفقر المادي، لأن الفقر أخلاقيّ بالدرجة الأولى، وكم جاع الأنبياء والرسل والصالحون فلم يسرقوا ولم يفسدوا في الأرض.. معاذ الله، بل احتملوا الإيذاء وصبروا على الخلق لعل الناس تبصر ذاك النور ابتداءً من روح كل إنسان أولاً، ولأن الواقع يشير إلى ضرورة الابتداء من الأهل ليعيدوا النظر في أنفسهم وذريتهم وأساليب التربية الذاتية وتطويرها، تحايثاً مع ضرورة الابتداء من الحرم التعليمي لا سيما التربية بكافة أشكالها الأخلاقية والوطنية والعسكرية والتعليمية، ليتكامل بناء الإنسان من الداخل قبل البنيان من الخارج.
وأجيالنا تعلمت ذلك من أهالينا ومجتمعنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا وأفلام الكارتون المختارة والهادفة أيضاً، وعرفت الغالبية منا أن الأدب والذوق والاحترام والمحبة أساس بناء الذات الناجحة والسعيدة، كنواة للمجتمع الناجح السعيد، والغالبية منا تعلّمت آداب الجلوس مع الأسرة والأهل والأصدقاء والناس، وآداب الشارع ومنها نظافته، ومساعدة الصغير والكبير، والاهتمام بالمال العام، ومنه أثاث المدرسة كأنه أثاث بيتنا، فنساهم في المحافظة عليه وإصلاحه، والاهتمام بالكتب والدفاتر والاحتفاظ بها لا تمزيقها حالما تنتهي السنة الدراسية، وكم كنا نحب أقلامنا لأنها شمس أيامنا القادمة.
أجيالنا التي تحب كل ذلك تحب أيضاً حكمة اليوم التي يقترحها كل يوم طالب أو طالبة ويكتبها بتخطيط جميل على السبورة الخضراء لنقتدي بها، وكم كنا نفتخر بتحية العلم الجماعية في باحة المدرسة، وبتحية المعلمة أو المعلم في الصف، المعلم الذي نقدّسه لأنه منارة المعرفة والمستقبل الذي سنصنعه، ونقدس الصدق والاحترام والمودة كما العلم والمعرفة والثقافة لأنها أساس بناء الوطن بالقيم والحضارة، وهذا ما جرى معنا مجرى الدم، وهذا ما حدث فعلاً وفعلياً من خلال أقوال القائد الخالد حافظ الأسد التي انتشرت بيننا وتسابقنا لتنفيذها على أرض الواقع، وهذا ما واصله ورمز إليه سيادة الرئيس بشار الأسد بأقواله وأفعاله، خصوصاً، عندما دعا معلماته ومعلميه إلى حضور خطاب القسم.
أمّا أن تتحول المدرسة والمعلّم إلى مسرح لجريمة واقعية، فهذا يعني أن بؤرة مظلمة شارفت على ابتلاع ما تبقّى من قيم مضيئة، ولا بدّ من الوقوف على أسبابها الحقيقية، واقتراح الحلول المناسبة والعمل عليها بتسارعية متسارعة، ومنها إعادة النظر بأساليب التدريس لتكون معاصرة وحديثة، والتركيز على المناهج في عصر المعلوماتية الالكترونية السريعة التجدد، وتأهيل الكوادر التعليمية بتسليحهم بالمزيد من الخبرة العلمية النفسية والوسائل التعليمية النفسية، وبدعمهم بإعادة مادة التربية الوطنية والتربية العسكرية بمنهجية جديدة، وإضافة كل من القانون وعلم النفس كمادتين مبسطتين مناسبتين للمراحل التعليمية ابتداء من الصف الثالث الابتدائي، واستعادة حصص الموسيقا والرسم والمطالعة استعادة جدية فاعلة لتحقيق الهدف منها، ومن الممكن إضافة حصة “مواهب” للكشف عن مواهب الطلاب وتشجيعهم ورعايتهم، وبالتالي، رفد منظمة الطلائع والشبيبة واتحاد الطلبة بهذه المواهب، والتي ستصبّ في تنمية وتطوير بنيات المجتمع المختلفة.