معركة ليّ الذراع على حساب المواطن.. كيف تحولت المواد الأساسية إلى وسيلة ضغط وتحقيق مكاسب؟
دمشق- ريم ربيع
يبدو أن سياسة تحصيل المطالب بالضغط تحوّلت إلى موضة لدى البعض ممن وجدوا باحتكار المواد الأساسية وحجبها عن السوق فرصة لهم لفرض شروطهم بالطريقة الصعبة، إذ يتكرّر سيناريو حجب المادة من السوق في كلّ مرة، والضغط لرفع سعرها رسمياً بحجة التكاليف، سواء كانت مواد غذائية (زيت، سكر، رز، ومتة)، أو حتى حليب الأطفال والأدوية، لينتهي بذلك رسمياً نموذج الاجتماعات واللقاءات أو حتى المراسلات التي يفترض أن تضمّ نقاشات وقرارات من هذا النوع، ويتحول القرار لكفة من يلوي ذراع الآخر على حساب المواطن ومعيشته.
نترقب اليوم صدور قرار برفع سعر معظم الأصناف الدوائية بعد أن ضغطت المعامل باتجاه زيادة السعر أو فقدان المادة، وحتى لو كانت مطالب المعامل محقة بارتفاع التكاليف وصعوبة تأمين المواد الأولية، إلا أن سرعة اختفاء المادة لم تكن مبررة برأي متابعين، خاصة وأن رفع سعر الصرف الرسمي – وهو أكبر الحجج – لم يمضِ عليه سوى 13 يوماً فقط، وهي فترة قد تكون كافية لتقديم بيانات ودراسات كاملة للتكاليف من المعامل والشركات إلى الحكومة لشرح مسوغات رفع الأسعار قبل الاتجاه لزيادة معاناة المواطنين ومرضهم.
ولم يتوقف هذا الأسلوب على “الخاص” وحسب، إذ يبدو أن الحكومة بدورها استفادت من تجربتها هذه لتطبقها مع كلّ أزمة جديدة، فمع كل اختناق جديد في المحروقات نترقب زيادة بأسعارها رغم عدم توفرها، ويضطر المواطن ليعيش أسوأ انعكاسات شح المحروقات في تنقله وتدفئته ومعيشته تمهيداً لرفع سعرها تحت ذريعة التمكن من تأمينها.
من وجهة نظر قطاع الأعمال، وبعد أن توجهنا بالسؤال لبعض الصناعيين والمستوردين لم يحبذوا مصطلح الضغط وإنما إثارة الرأي العام، فالطريقة الرسمية بتقديم الطلب والكلف لم تلقَ أي تجاوب حكومي، مما يضطر البعض لإحداث نوع من البلبلة وتحريك الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي للحصول على مبتغاهم، وفيما لا يبرَّر لهؤلاء – وفق زملائهم – سحب المواد من السوق ورفع أسعارها واحتكارها، إلا أنهم بحاجة قنوات تواصل أكثر جدوى لإيصال صوتهم ومطالبهم.
ليس احتكاراً تجارياً
عضو غرفة تجارة دمشق ياسر كريّم حمّل مسؤولية ما يحدث للسياسات الاقتصادية الخاطئة، ولاسيما ما يتعلق بمنصة التمويل والتسعير، وما تسببه من اضطراب بسعر الصرف والعملية الاقتصادية، معتبراً أن الواقع ليس احتكاراً بل اضطراب، فلا أحد يعرف كلفته الصحيحة ولا أحد قادرا على تنفيذ القرارات الموجودة، مثلاً اختلاف السعر إثر التأخر بالتمويل قد يزيد الكلفة 30%، كما أن قوانين الضرائب والتكليف غير واضحة، مما يسبب خللاً بسلاسة تمويل وتوريد المواد.
وأكد كريّم أن حجب المواد من السوق هو اضطراب اقتصادي، فالتاجر والصناعي لا يسحبان المواد، بل أشخاص آخرون – دون أن يحدّد صفتهم – يسحبون المواد ويخزنونها كوديعة أفضل من الاحتفاظ بقيمتها بالليرة السورية القابلة للانخفاض، إذ لا يوجد احتكار صناعي وتجاري بل يتوقف كلاهما عن العمل نتيجة هذه الاضطرابات، موضحاً أن تجاوب الحكومة مع مطالب تعديل التسعير بطيء جداً ولا يعطي قرارات كافية وكفيلة بتغيير الحالة الاقتصادية.
ورأى كريّم أنه آن الأوان لتغيير السياسة الاقتصادية لتصبح جاذبة للاستثمارات ورأس المال الخارجي، وإن لم تكن القوانين مترابطة ومتكاملة ستكون النتيجة عدم استقرار للصناعيين والتجار مما ينعكس بالنهاية على السوق والمواطن.
على النهج نفسه
أمام هذا الواقع يتساءل المستهلك، كيف أصبح مصيره بيد فئة صغيرة من المحتكرين مقابل فرجة الحكومة على المشهد دون تحرك، ليوضح أستاذ الاقتصاد الدكتور شفيق عربش أن السبب في ذلك هو سير الحكومة على الخط نفسه، فهي التي تصدر إجازات الاستيراد وهي التي تسمح بالتكتلات الاحتكارية وعدم التنوع، والمنح لأشخاص معيّنين ومحدودي العدد، كما أنها تحدّد أسعاراً لبعض الأصناف لا تحقق حتى كلفة إنتاجها كالدواء مثلاً.
وأضاف عربش أن هيئة المنافسة ومنع الاحتكار ميتة وغائبة نهائياً، لأنها أُلبست منذ تأسيسها طاقماً يعمل بعقلية التموين لإدارتها رغم أنها من أهم المؤسسات بدول الاقتصاد غير الاشتراكي والقائم على المنافسة، فأصبح العمل فيها بعقلية مراقب التموين وضبط المخالفات، وسط غياب التشريعات والبيئة التي تسمح بالمنافسة بما ينعكس على المستهلك، لتصبح النتيجة ظهور فئة معينة “تمص دم” الشعب.
وبيّن عربش أنه عندما يكون تغيّر سعر الصرف بهذا المستوى والتقلب، فلا نقول للتاجر أسعارك كذا وكذا، إذ يحسب التجار رأسمالهم بالبضائع وليس بالقيمة، والقدرة الشرائية للمبلغ المحصل هي المعيار، مؤكداً أن الحل بإعادة النظر بسياسة الاستيراد، وتوسيع دائرة إجازات الاستيراد، وأن يكون هناك دور للإجراءات الحكومية بعيداً عن “العنتريات” لتأمين حدّ أدنى من المنافسة الغائبة نهائياً من العمل التجاري.