ثقافة

متى يكون الشعر تنويرياً؟

تحت عنوان “الشعر والتنوير” عقدت جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب ندوتها مؤخراً في مقر الاتحاد وهي كما جاء على لسان د.حسام الدين خضور أحد المشاركين فيها والذي التقته “البعث” على هامشها ليست الأولى في الجهد الثقافي السوري الذي يجهد لوضع يده على مشكلاته، فالدورة الخامسة لمهرجان الشعر في الرقة عام 2005 التي حضرها 25 شاعراً وشاعرة وثمانية نقاد سوريين وعرباً تطرقت إلى هذه المسألة تحت عنوان “الشعر المعاصر ومسؤولية التنوير”.

شكل الشعر
وأراد د.خضور في حديثه أن يذكرنا ببعض ما جاء في ندوة الرقة حين رأت د.لطيفة برهم أن أسباب انقطاع الصلة بين الشاعر والمتلقي تكمن في نقص التكوين الثقافي لدى معظم الشعراء المعاصرين وجهل الثقافة المعاصرة واستسهال الإبداع الشعري، مبيناً حينها د.سعد الدين كليب أن مقولة الحرية هي الجوهر في مفهوم الجمال الحداثوي، في حين خلص الناقد المصري محمود الضبع إلى أن شكل الشعر ليس هو المحك والمعيار، فقد شهد الشعر العربي أشكالاً مختلفة منذ القديم وحتى الآن: قافية موحدة، قوافٍ متعددة، موشحات، شعر مرسَل، شعر تفعيلة، قصيدة نثر.. وبالتالي ينبغي تقويم الشعر بطريقة الاستقراء الكلّي، مؤكداً في الوقت ذاته حينها د.وفيق سليطين على أن فاعلية الشعر التنويري تتأتى فقط من تحقق طبيعته الجمالية التي يتقوم بها، فهو ليس ناقلاً للفكر ولا محكوماً بالاستجابة لقواعد العقل، رادّاً د.حسام الدين خضور على ما جاء مخاطباً سليطين: “لا يا صديقي، الشعر ينقل الفكر ويبدعه ويستجيب لقواعد العقل، إنه ليس شيئاً خرافياً مقدساً، وإذا عدنا إلى الشعر العربي الذي قدّره الناس تقديراً عالياً نرى أنه يتمتع بسمو أفكاره وجمال صوره ورشاقة عباراته ورقة ألفاظه قبل أي شيء آخر” مشيراً كذلك إلى أن هذه الآراء تعكس بطريقة ما جانباً من مشكلة الشعر المعاصر بعيداً عن كونه تنويرياً أم لا، فالمحتوى الفكري المعرفي شديد التواضع والبناء الفني متداع إلى درجة انتفاء الشكل الفني أحياناً.

الشعر تنويري
من حيث المبدأ لا يمكن للشعر بوصفه فناً بل أباً للفنون تاريخياً إلا أن يكون تنويرياً برأي خضور لأنه رؤية جمالية للعالم، ومع ذلك فإن الشعر بعد رحلة شاقة انتهى لأن يكون شكلاً من الأدب يستخدم خصائص اللغة الجمالية والإيقاعية، موضحاً أن الشعر يكون تنويرياً عندما يكون شعراً أولاً ولا يحمل أفكاراً عنصرية أو يدعو إلى الكراهية والتعصّب ثانياً، ويكون همّه إنسانياً وعلى نحو أكثر تحديداً منحازاً إلى صانعي الحياة وهم العمال والفلاحون والجنود في حالتنا السورية الراهنة.
وإذا سألنا أنفسنا ما هي قضايا التنوير؟ وإلى أي مدى كانت شاغل الشعر الحديث؟ عن السؤال الأول أشار خضور إلى أن قضايا التنوير تتعلق بمسألة المرأة والديمقراطية وتوفير التعليم والصحة للشعب، وقضايا التنوير في القيم هي قيم الخير والعدالة والجمال .
وعن السؤال الثاني تتعقد الإجابة برأيه لأن البنية التحتية سبقت البنية الفوقية، فما قامت به الحكومات في عملية التنمية في بلدنا كان أكبر مما كان منتظراً منها، إلى درجة لم يعرف الشعراء كيف يفرحون به كما لو أنه ليس مطلب الناس ليكون التفاعل مع الحدث منقوصاً.

التنوير العربي
وعصر التنوير مصطلح في الفلسفة الأوربية يشير إلى القرن 18، وقد قام مفهوم التنوير الأوربي كما دعا د. ثائر زين الدين إلى العودة إلى العقل الإنساني لتجاوز العصور الوسطى والانتقال من الماورائيات والخرافات إلى الواقع الإنساني البشريّ، وهذا ما جعل الأوربي يشرع في بناء مؤسساته الوضعية ويبدع قوانينه ونظمه وفنونه المناسبة للمرحلة الجديدة، وهذا ما سعت إليه النهضة العربية منذ مطلع القرن 19ولاسيما في سورية ومصر، حيث انطلقت حركة تنوير كان من أعلامها رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده وطه حسين وساطع الحصري، فانطلقت محاولات جادة لإحلال مؤسسات الإنسان وقيمه مكان المؤسسات المقدسة القديمة، لخلق مجتمع مدني مقابل المجتمع الديني والانتقال من الانتماء الدينيّ إلى آخر يقوم على الانتماء القومي والوطنيّ، وبرأي زين الدين فإن الشعراء عبّروا قبل غيرهم عن ذلك بصورة فنية أقرب إلى العفوية..
يقول رشيد سليم الخوري:
إني على دين العروبة واقف      قلبي على سبحاتها ولساني
في حين كتب بدوي الجبل قائلاً:
كل الربوع ربوع العرب لي وطن       ما بين مبتعـــد منها ومقترب
للضاد ترجـــــــــــــع أنساب معرقة        فالضاد أفضل أمٍّ بَرَّةٍ وأبِ
ولم ينكر د.زين الدين أن مثل هذه الرؤى في ذلك الوقت لاقت محاربة وإنكاراً شديداً من أصحاب الفكر القديم وهيئاته التقليدية، مؤكداً على أن قصائد الشعراء الرواد ومن تلاهم أيضاً من الشعراء المجددين حملت قيماً تنويرية عديدة، ولاسيما أنهم رأوا وقرأوا كيف تمكنت شعوب أخرى من تجاوز حالات جهلها، آسفاً اليوم أننا وبعد ما لا يقل عن مئة سنة نتساءل هل انتهى عصر النهضة العربية؟.

أمينة عباس