المحبة محور مسرحية “أنشودة الملح الأخرس”
حلب -غالية خوجة
ترى، ماذا يخبر الملح الأطفال في مسرحية “أنشودة الملح الأخرس” التي تابعناها على منصة دار الكتب الوطنية ضمن مهرجان الطفل والعائلة؟
تتناغم التقنيات الفني،ة الموظفة مع أحداث العرض المختزلة بأهداف مختلفة، منها التوعوية والتحذيرية والتربوية المضافة للغة الفصحى والتشجيع على القراءة والتعامل مع الكتب الورقية، فتتداخل شخصية الراوي أو الحكواتي، بفلكلورها وزيها وحكاياتها، مع تفاصيل الحياة المعاصرة ومنها التكنولوجيا، لا سيما وصول الهاتف المتحرك “الموبايل” إلى قرية الملح وأهلها، واستبداله بالمكتبة والكتب والقراءة، إضافة إلى الخوف على ملح القرية من الضياع، والتمسك برموزه ودلالاته وأناشيده ببساطتها العميقة المختزلة لكثير من الأحداث والتوجيهات والحِكَم.
لكن.. كيف يصل الموبايل إلى هذه القرية ولماذا؟
تبدأ تحولات الحياة في هذه القرية المعتمدة على المحبة كملح بين أهاليها مع دخول البائع الجوال الغريب وتوزيعه للهواتف المتحركة كهدايا على أهل هذه القرية المؤلفة من الجزار وابنته والحلاق والطفلة بائعة الكتب، وإعلامه للجهة التي أرسلته بأنه يقوم بالمهمة على أكمل وجه، ثم يستدرج الحمّال ليصبح شخصية متواطئة معه وتفعل ما يطلبه منها مقابل أطماع مادية، فتظهر الخيانة برمزيتها وتصل إلى فكرة سرقة ملح القرية وإخفائه في مكان متفق عليه بينهما، ليعودا ويبيعاه لأهل القرية. لكن شادي الألحان يتنبّه إلى أن شيئاً غريباً يحدث، فيتظاهر بالمرض والعمى والطرش إلى أن يستمع إلى خطة الغريب المعادي وهو يحدث الحمّال، فينكشف الهدف البعيد، ويتضافر أهل القرية مرة ثانية ويلقون شِباكهم على الغريب والخائن ليحافظوا على المحبة والدفاع عن قريتهم وأرضهم ووطنهم، منشدين بسعادة كلمات بدأ بها الحكواتي وهو يتحدث عن عودة ملح المحبة إلى القرية ويخبرهم أنه قال: “يا أطفال الوطن هيا”، ليكملوها منشدين معاً: “هاتوا الكتب ودفاتركم، وافتحوا صفحة لأغانيكم.. وأسرعوا وابنوا مستقبلكم.. يا أطفال الوطن هيا”.
بين الفينة والأخرى، يظهر الحكواتي ليضيء على الحدث والحكمة والشخصيات بطريقة مشوقة، ويوجه إلى الوعي وانتصار الإنسان من خلال العلم والإيمان لا الجهل والخرافة. وكذا، فعل الممثلون ضمن الرؤيا الإخراجية للفنان نادر حكمت عقاد، كمخرج ومؤلف للمسرحية وظف بمتعة وفائدة وتشويق منطوق الشخصيات والأحداث والسينوغرافيا والأغاني وموسيقاها المبنية على ألحان إنشادية، وألحان خاصة بأغاني العرض، مع تطعيم مناسب من أغنية مسلسل الكرتون “سنان” لنكون الأحلى بقلب واحد وسلام ووئام يتمناه الجميع ويعمل لأجله، ويترسّب في ذاكرته وأيامه القادمة.
كما تجدر الإشارة إلى الديكور المميز للفنانة لوسي مقصود، وتوظيف الشاشة الالكترونية السينمائية لعرض بعض المشاهد ومنها حكاية “العقرب والضفدع” لتكمل ما بدأهُ الحكواتي بعد “كان يا مكان”.
والملاحظ أن هذه المسرحية تمتعت بجماليات فنية وموضوعية وأهداف تضيء على بناء الإنسان والمجتمع والوطن من خلال تجربة واقعية يعيشها الأطفال وعائلاتهم، وهذا ما انعكس على عدد الحضور الكبير – ومنهم من سألتهم عن هذا العرض – ليؤكدوا جميعاً أنه رائع، وأكثر ما لفت الأطفال ضرورة الانتباه من الغرباء في الواقع، أو على وسائل ووسائط الميديا المختلفة، وضرورة قراءة كتاب كل يومين كما تقول بائعة الكتب، ولا بد من المحبة للعائلة والمجتمع كي نشعر بالأمان، بينما تمنت السيدة أم زكريا لو أن الممثلين منحوا الحضور إشارة للمشاركة في التصفيق والأناشيد.