دراساتصحيفة البعث

التحركات الجيوسياسية الأمريكية في أفريقيا

هناء شروف

في كانون الأول الماضي، استضافت الولايات المتحدة قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في واشنطن، وحينها قال الرئيس بايدن إن “نجاح أفريقيا هو نجاح العالم”. ويبدو أن أمريكا تعود إلى أفريقيا بعد أربع سنوات من سياسة ترامب الانعزالية “أمريكا أولاً”، لكن هل القصة الجديدة قابلة للتصديق؟.

فقبل أشهر من القمة، توصلت إدارة بايدن إلى استراتيجية تبدو طموحة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء، حيث كان من المتوقع أن يكون أداء اتفاقية جنوب الصحراء الكبرى أفضل في القارة الأفريقية، لكنها لم تكن أكثر من مجرد كلام.

تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن بلهجة ناعمة نادرة بعدم إجبار الدول الأفريقية على اختيار أحد الجانبين عند إصدار استراتيجية أفريقيا جنوب الصحراء، أثناء رحلته إلى جنوب أفريقيا في آب الماضي. ومع ذلك، فإنه بالكاد أخفى حقيقة أن استراتيجية إدارة بايدن تسعى إلى مواجهة أنشطة الصين وروسيا في أفريقيا. ووفقاً للبيت الأبيض، حتى في القمة التي كان ينبغي أن تركز على التعاون بين الولايات المتحدة وأفريقيا، لم ينس وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تضليل الدول الأفريقية للاعتقاد بأن الصين وروسيا تعملان على زعزعة استقرار أفريقيا، مظهراً بذلك مدى نفاق الولايات المتحدة!.

لا شيء أوضح من إشارة استراتيجية الأمن القومي إلى أن البلدان الأفريقية تشكل واحدة من أكبر مجموعات التصويت الإقليمية في الأمم المتحدة، وأن حكومات ومؤسسات وشعوب أفريقيا قوة جيوسياسية ستلعب دوراً حاسماً. كما تزعم الاستراتيجية أن الشراكات بين الولايات المتحدة وأفريقيا يجب أن تتكيّف لتعكس الدور الجيوسياسي المهمّ الذي تلعبه الدول الأفريقية على مستوى العالم.

إن ما تسعى إليه الولايات المتحدة هو الحصول على دعم أفريقيا لاستراتيجيتها العالمية، تماماً مثل عودتها إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لأن عودة الولايات المتحدة إلى أفريقيا ليس لها علاقة أو لا علاقة لها بتعزيز تنمية القارة، الأمر الذي يستلزم مدخلات أكثر مما تستطيع الولايات المتحدة تحمّله من خلال البرامج مثل الشراكة من أجل الاستثمار في البنية التحتية العالمية، حيث تقوم الولايات المتحدة ببساطة بمحاولة أخرى لدخول القارة لاحتواء الصين وروسيا.

لحظة حساسة

بعد حوالي عقد من الزمان منذ قمة أوباما الأولى لقادة الولايات المتحدة وأفريقيا في عام 2014، اختارتها إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية كفرصة لمواجهة نفوذ الصين وروسيا في أفريقيا، لا شك في أن هذا القرار كان له ثمن، إذ عانت الولايات المتحدة والغرب من انتكاسة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار الماضي عندما لم تؤيد 26 دولة أفريقية من أصل 54 قرارهما بإدانة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خاصةً وأنه يُفترض أن بعض تلك البلدان الأفريقية هي حلفاء، لكن تبيّن أنها دول غير منحازة.

بالنظر إلى التراجع النسبي لقوة الولايات المتحدة خلال العقد الماضي، فقد أصبح من المستحيل أن تذهب الولايات المتحدة بمفردها في منافسة الصين واحتواء روسيا. لذلك واعترافاً بالأهمية الجيوسياسية لأفريقيا ولاسيما قيمتها الاستراتيجية في نظام الأمم المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتصويت، أطلقت الولايات المتحدة استراتيجية جديدة بعقد قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا في محاولة لتحقيق هدفها الجيوسياسي.

ومع ذلك فإن السياسة الداخلية للولايات المتحدة تشكل قيداً واضحاً على التخطيط السياسي طويل المدى، لأنه غالباً ما تلعب السياسة الحزبية دوراً وتتسبّب في كثير من الأحيان في تعطيل استمرارية السياسة.

رد فعل أفريقيا

على الرغم من سلسلة التحركات الأمريكية لتقريب نفسها من أفريقيا، لم يكن ردّ فعل الدول الأفريقية إيجابياً، إذ أن استياء أفريقيا من الولايات المتحدة يتزايد علناً، فقد أعربت الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في قمتها الاستثنائية في آب الماضي عن استيائها من استهداف القارة بإجراءات عقابية أحادية الجانب من خلال قانون مكافحة الأنشطة الروسية في أفريقيا، وأكدت موقفها المبدئي بعدم الانحياز لأي صراعات خارج القارة.

كما شككت وسائل الإعلام الأفريقية في دوافع الولايات المتحدة، تأكيداً على ما قاله وزير العلاقات الدولية بجنوب أفريقيا، ناليدي باندور: “الولايات المتحدة ليست جهة فاعلة محايدة وألحقت بنفسها الكثير من الضرر بالقارة أيضاً، ويبدو أن الولايات المتحدة تريد المنافسة مع هؤلاء بدلاً من رؤية كيف يمكن أن يتعاونوا نحو الأفضل”.

استنتاج

تحاول الولايات المتحدة العثور على حلفاء في جميع أنحاء العالم لمواجهة الصين وروسيا، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها ولاسيما في جنوب الكرة الأرضية، وتبيّن أن قمة الرئيس الأمريكي مع زعماء جنوب شرق آسيا لم تكن جيدة. والأسوأ من ذلك، كشفت قمته للأمريكتين عن تلاشي النفوذ الأمريكي في الفناء الخلفي القديم. ومرة أخرى فإن القمة مع أفريقيا لا تعني أي تحول جوهري في سياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا، ولكنها تعني تجديد الجهود لإشراك أفريقيا للتغلب على الصين واحتواء روسيا والحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

أشار النقاد إلى أن الصين وروسيا لديهما تاريخ طويل من المشاركة مع أفريقيا، وسيكون الفوز بالدول الأفريقية من قبل الصين وروسيا مهماً، حيث إن علاقات العديد من الدول الأفريقية مع تلك القوى متجذرة بعمق تاريخياً وأيديولوجياً واقتصادياً، لذلك يجب على الولايات المتحدة أن تتعلم درساً من فشلها السابق، وتدرك أن أفريقيا أكثر استقلالية وغير منحازة في عالم متعدّد الأقطاب.