العنف المستوحى من الولايات المتحدة
عائدة أسعد
في الثامن من كانون الثاني الجاري، اقتحم الآلاف من المتمردين الموالين لـ جاير بولسونارو ساحة “القوى الثلاث”، مقر السلطة السياسية في البرازيل، وكان العديد منهم يحملون لافتات كتب عليها “لا نريد شيوعية برازيلية”.
لقد كان هدف هؤلاء المتمردين إطلاق حالة الطوارئ التي من شأنها أن تسمح للجيش بتنفيذ انقلاب ضد لويز إيناسيو لولا دا سيلفا الرئيس المنتخب ديمقراطياً، وإعادة تنصيب الرئيس المهزوم بولسونارو.
ما تجدر الإشارة إليه أنه في الأيام التي سبقت الأحداث، حذّر مسؤولو المخابرات البرازيلية من النتيجة المحتملة لمثل هذا التجمع العنيف بشكل علني، لكن بالنظر إلى أن هذا كان معروفاً على نطاق واسع، يتساءل الكثيرون في البرازيل عن سهولة تنظيم مثيري الشغب ثم الدخول إلى الكونغرس والمحكمة العليا والقصر الرئاسي، في غياب أي اعتراض من قبل قوات الأمن، ويستغربون كيف مُنع المسؤولون من اعتقال المشاركين.
وتحقق السلطات البرازيلية حالياً في تعقيدات أعمال الشغب، بما في ذلك احتمال تواطؤ المسؤولين الموالين لـ بولسونارو، والتمويل من قبل مجموعات المصالح المختلفة. ولكن يبقى السؤال الأكبر: ما هي الشرارة وراء هذه الحركة النارية التي كادت أن تطيح بأكبر ديمقراطية في أمريكا اللاتينية؟ وهل يمكن أن تشعل أحداث عنف أخرى؟.
بالتأكيد، كان هناك العديد من العوامل وراء أعمال العنف في 8 كانون الثاني في البرازيل. ومع ذلك، فإن الأمر الأساسي في صعودها هو ثقافة عدم التسامح التي تجد جذورها في النظام السياسي الأمريكي، والتي انتشرت منها إلى بقية العالم.
ومن الناحية التاريخية، كشفت حدود التسامح الأمريكي عن نفسها بشكل أكثر وضوحاً في أمريكا اللاتينية، حيث قامت الولايات المتحدة باستمرار بتنظيم، أو دعم حركات ضد الحكومات التي لا تتوافق مع تفضيلاتها الاقتصادية والسياسية، فالحظر المفروض على كوبا منذ الستينيات والإطاحة بـ سلفادور أليندي، في تشيلي عام 1973، والدعم المقدّم للإطاحة بالرئيس البوليفي إيفو موراليس، عام 2019، كلها أمثلة على هذا التعصب. وفي الآونة الأخيرة، استهدفت الولايات المتحدة الصين، محذرةً الدول الأخرى من الاقتراب أكثر من اللازم من بكين، وعلى وجه التحديد صاغت إدارة جو بايدن رؤيتها للسياسة الدولية اليوم على أنها منافسة ثنائية زائفة بين الديمقراطيات والأنظمة “غير الديمقراطية”.
وتتكشف التحقيقات أيضاً عن الروابط القوية بين حركة اليمين المتطرف في البلاد والولايات المتحدة، فعلى سبيل المثال، إدواردو نجل جاير بولسونارو (الشخص نفسه الذي ألقى باللوم على الصين في جائحة كوفيد-19 في عام 2020 باستخدام المصطلح العنصري “فيروس الصين”) يحافظ على علاقات وثيقة مع أشخاص في دائرة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مثل ستيفن بانون الذي نشر على الإنترنت بعد يوم من أحداث الشغب في 8 كانون الثاني في البرازيل قائلاً: “الماركسي الإجرامي الملحد لولا دا سيلفا سرق الانتخابات والبرازيليون يعرفون ذلك”.
حتى خارج البرازيل أيضاً، فقد تمّ استهداف قادة يساريين آخرين من قبل المحافظين الأمريكيين، فعلى سبيل المثال، وصفت النائبة الجمهورية ماريا إلفيرا سالازار الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه “لص وإرهابي وماركسي”، محذرة من أن البلاد ستتبع طريق كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا بانتصاره.
ربما يكون التمرد قد فشل، لكن التعصب لا يزال قائماً، وقد يكون من الأفضل لمجتمعات أمريكا اللاتينية، وأماكن أخرى، أن تتبنى موقفاً أكثر تسامحاً بدلاً من تبني سياسات الانقسام والتكتلات، لأن التهديد الأكبر للديمقراطية في المنطقة لا يأتي من اليسار، بل من ثقافة عدم التسامح التي تنشرها القوة العظمى في الشمال.