أمسية شعرية حافلة بمفردات العشق والتغني بدمشق
ملده شويكاني
ثمّة علاقة بين الشعر والرسم التشكيلي بشكل خاص، فبعض الشعراء رسموا مفرداتهم وفق تشكيل فني شعريّ، إلا أن الشاعر منير خلف لم يرسم مفرداته وإنما خاطب اللوحة واللون، في الأمسية الشعرية التي شارك بها مع مجموعة من الشعراء، وكان ضيف الشرف، في المنتدى الثقافي العراقي بإشراف د. بسام الأيوبي، والرفيقة د. منى هيلانة أمين سر قيادة قطر العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي.
وقد حفلت بأساليب مختلفة وباقتباسات من الشاعر العربي نزار قباني من حيث المفردة والمعنى، إضافة إلى اعترافات أنثى وحوارية شعرية لافتة.
بين الشاعر واللوحة
وتتالت القصائد، فمع منير خلف -الذي شغل مناصب عدة في اتحاد الكتّاب العرب، وصدرت له مجموعات عدة، ونال جوائز، منها جائزة طنجة في المغرب- أصغى الحاضرون إلى الألوان المسافرة الهاربة من إطار اللوحة إلى عوالم مفتوحة، خاطبها الشاعر بشعره العمودي بقصيدة اللوحة، مبيّناً العلاقة الحميمة بين الرسام واللوحة، والتي تعكس وجعه وحلمه المسكون بأعماقه، متنقلاً من الريشة، إلى غرفة الإبداع، إلى صرخة الألوان، إلى نحت الوجع “من ريشتي لا لن أبدلها”
ويتابع خلف بسرده الشعري رسم ديار العشق:
“هذي ديار العشق أرسمها
لا قّر فيها كي أزمّلها
كالغصن مال نشيدها ودمي
في أسود الأيام صار لها
جنحاً يطير اللون أبيضه
من أخضري ليصير بلبلها”
أسرار في الغرفة
ومن اللون الأخضر والأصفر إلى حوارية شعرية شدّت انتباه الحاضرين، دارت حول سؤال “ماذا في غرفة الشاعرة؟؟”، فأجابت الشاعرتان هناء داوودي شاعرة الياسمين وإيمان بركات بتخاطر وتقاطعات بتفاصيل صغيرة مبعثرة في غرفة الشاعرة من أقلام ومحبرة وخزانة وفساتين وشموع وقهوة وكحل، ومن آهات تعزف على الكمنجة بصوت خافت خيبات وانكسارات وأحلاماً مازالت هائمة، فمعهما نتخيّل مشهدية هذه الغرفة الإبداعية التي ترتبط من زاوية ما بمرسم الرسام، فتقول هناء:
“في الغرفة
كثبان شوق
صخب روح
رؤى خصبة
مدّ وجزر
أحلام هاربة
من مخدعها
تجول فضاء المعنى
تقبل جبين الأمل
وتمحو الآلام الغابرة”..
وتتابع إيمان بركات في الغرفة:
“خذلان بشعره الأشعث
ولحيته الكثة
يتأرجح بين نبضي
أمواج تدفع أمواجاً
لا الربان يستريح
ولا السفينة تستوي”..
اعترافات أنثى
ومن الخيبات والأمنيات إلى اعترافات أنثى عاشقة وحوارية مع الذات بصوت الشاعرة قتادة الزبيدي، فيها لقاء وفراق وضياع شتت شريط العمر، بتساؤلات تستدرج أجوبة تفيض كالأنهار عشقاً، بقصيدة من الشعر الحر بعنوان “أنا لستُ أهواه”، معتمدة على ضمير المتكلم:
“أنا لستُ أهواه
لكني حين ألقاه
أداعب فجراً نطقت به عيناه
ألاحق ظلاً تمازج بروحي
لعليّ أحيا روحاً تحياه”..
وبين مقطع وآخر تكرّر “ربما لستُ أهواه” لكن بصيغة أخرى تضيف إليها النفي “ربما لم أكن أهواه”، لتأتي القفلة المدهشة بصوت المحبوب:
“ما أذهبني للأخرى
إلا حين قلتِ ذات أمس
أنا لستُ أهواه”..
اقتباس دمشقي
ومن تبدّل حال المحبين إلى دمشق الخالدة التي تغنّى بها الشاعر العربي نزار قباني، فقال:
هذي دمشق، وهذي الكأس والراح
إني أحبُ وبعض الحب ذباح
فتقتبس الشاعرة أمل مناور البداية ذاتها، لتتغنى بدمشق بعد أن تعافت من جراحها:
هذي دمشق فما تمادى جرحها
قد عاد يحفل بالمحبة صبحها
دمشق والجوار
ومن خلال أبيات القصيدة تختزل مؤامرة الحرب الإرهابية على سورية، وتربط بين الماضي والحاضر، فتعود إلى أمجادها وعروبتها ومساندتها كلّ من يحتاج إليها، لأنها الملجأ والأمان، وبتورية غير مباشرة تذكّر بما قدّمته سورية للآخر، مستخدمة الأسلوب الخبري:
فكم ارتوى من مائها جيرانها
كم سدّ جوعاً ذات قحط قمحها
وله مذاق لا مذاقاً مثله
فيه الوفاء وفيه طيب.. ملحها
وتنهي القصيدة بقفلة رائعة تشير فيها إلى دمشق الخالدة موطن الحضارات المتعاقبة، مستخدمة السؤال أحد الأساليب الإنشائية:
“فلأنها التاريخ فهي خبيرة
من أين يبدأ للحضارة فتحها”
على غرار الأقدمين
كما كانت دمشق حاضرة بملامحها في شعر د. أسامة الحمود، الأستاذ الجامعي الذي يتصف بقوة مفرداته وجمالية تراكيبه وصوره بشعره العمودي، كيف لا وهو المتحيّز إلى لغة الضاد التي نظم لها القصائد، فيبدأ بمطلع غزلي على غرار الأقدمين، مستخدماً قوة فعل الأمر في قصيدته سرّ الحكاية:
“اشح بطرفك قلبي ليس يحتمل
فيض الجمال، وما جادت به المقل”
ليصل في منتصف القصيدة إلى دمشق ذاكراً خصالها وصفاتها:
“أسوارها الورد والأزهار تحرسها
أنهارها عسل، ألفاظها غزل
من كل شائبة تبدو منزهة
روّادها رسل بالنور تغتسل
والياسمين كغيث الله، مرتقب
إذ كلما بسمت حسناء ينهمل”
جمالية التشبيه
واختُتمت الأمسية بمشاركة الشاعرة رود مرزوق، التي قدمت الأمسية بقصيدة حبّ اتصفت بجمالية التشبيه: “كالبحر أنت، كالبحر أحبّك”.