جمعية أصدقاء دمشق تدعو إلى رعاية مشروع حسام الدين بريمو الوطني
ملده شويكاني
“في السماء فقط تصفو الأضواء، وتعلو الألحان.. هذا ما كان يحيا لأجله المايسترو حسام الدين بريمو”.. بهذه المفردات الشفافة استهلّ غسان شاهين المحاضرة التي أقامتها جمعية أصدقاء دمشق في المركز الثقافي (أبو رمانة) تحت عنوان “الموسيقار حسام الدين بريمو – المشروع الخالد”، بإدارة رئيس جمعية أصدقاء دمشق مازن حمور، والتي خلصت إلى ضرورة إعادة الحياة إلى جوقات لونا، ورعاية مشروع بريمو الوطني.
اتخذت المحاضرة طابع السرد المتتابع على شكل ريبورتاج، إذ لم يكتفِ شاهين بالسيرة الذاتية لبريمو وسجل إنجازاته، وإنما اعتمد على اللقاءات التسجيلية من عائلته ومن أشخاص عملوا معه. ومن زاوية أخرى عمل على تحليل مشروع الغناء الجماعي الذي أسّسه بريمو، والمبنيّ على أسس أكاديمية وتوزيع الأصوات والعمل الجماعي.
فمن جوقات لونا انطلقت “ألوان”، و”قوس قزح”، و”ورد”، و”شام”، و”سنا”، ومن ثم جوقة “جوى” و”دهب عتيق”. كلّ هذه الجوقات غنّت على مسارح سورية ومراكزها الثقافية، وبعضها شارك بالمهرجانات باللغات العالمية المتعدّدة، وبأمسيات دورية في دار الأوبرا، مع “أوركسترا ندى” المؤلفة من الموسيقيين السوريين الأكاديميين وغيرها، وحرص بريمو على التوزيع الموسيقي، وكان الأطفال مشروعه الخالد.
من القمة إلى القاعدة
قسّم شاهين محاضرته إلى محاور ركز فيها على أهم المراحل والعناوين الأساسية في مشروع بريمو، الذي بدأ من القمة إلى القاعدة، إذ أسّس “قوس قزح” على تعدّد الأصوات واختلافها ومن ثم اجتماعها معاً وتآلفها بشكل ساحر، فغنّت كل الألوان الموسيقية وبلغات متعدّدة، ومنها عمل على تعليم الأجيال، ليجعل الجوقة الكبرى تعمل على تأهيل الجوقات الأصغر، وهكذا تأسّست جوقات لونا، الكل يتعلم من الكل، ومن جانب آخر كانت للرحلات التي ينظمها الدور الكبير بالتوعية بتاريخ سورية وحضارتها، من خلال معلوماته بالآثار، ليصل شاهين إلى أن جوقات لونا كانت مجتمعاً سورياً مصغراً.
وكان الوطن بالنسبة له ذروة المقصد، وكان مشروعه الأساسي أن يجعل ثلاثة وعشرين مليوناً يغنون، واستطاع أن يزرع حبّ الوطن في نفوس الصغار والكبار، فاقتبس شاهين ما قالته كنانة محاحي, الإدارية بالجوقة: “حسام بريمو وطني سوري بامتياز، استطاع أن يخلق مساحة أمان لـ “لونا” في زمن الخوف، كان صاحب مشروع تربوي وموسيقيّ في آن واحد، حرص على تعزيز مفهوم العمل الجماعي”.
ابن دمشق
ولد الراحل في دمشق وترعرع في حاراتها، فاستوحى الكثير من طقوسها وتراثها وأغنياتها وعمل على إحيائها، فجعل من أصوات الباعة في الحارات الدمشقية أغنية على ألسنة الجميع، إضافة إلى أغنيات الأطفال، ومقامات صوت الآذان، وتراتيل الكنائس، كلّ هذا التراث كان ينميه بالعودة إلى الوثائق القديمة والإصغاء إلى حكايات الجدات وغنائهن، فأخذه هذا الطقس العام إلى التوثيق وإغناء معلوماته.
واستعاد الكثير من التراث الآرامي كلمات وألحاناً، من اللغة الأم لسورية من خلال مفردات الأغنيات التي أقبلت على تعلمها الأجيال، فشاركت جوقاته بمهرجانات متعددة وغنّت باللغة الآرامية.
فرقة أبو خليل القباني
انتقل شاهين للحديث عن “فرقة أبي خليل القباني” التي أسّسها بريمو عام 1992، بالتعاون مع نخبة من طلاب المعهد العالي للموسيقا الشباب، منهم أندريه معلولي وعبد الله شحادة وجوان قره جولي وغيرهم، وعملت على إحياء الغناء الشرقي القديم معزوفاً بإتقان وموزعاً ببلاغة، وقد رافقت كلّ المجموعات السياحية التي أشرف عليها المحاضر شاهين في عشاء الوداع، وكانت تترجم الأغنيات ولاقت إعجاباً كبيراً من الأجانب، وهنا اقتبس شاهين ما قاله المايسترو أندريه معلولي: “كان لنا الموجّه كونه الأكبر سناً، وكنا نرى فيه مثال الإنسان المحب المتفاني ليصنع مشروعه الذي بات مشروعاً لكل طفل، ولكل شاب، كما رافقته وكيلاً للمعهد العالي، ومن ثم معاوناً لدار الأوبرا، فكان الداعم والسند والمحافظ والحريص على مشروع كان حلماً لكل موسيقيّ في هذا الوطن”.
وتوقف عند مشروع جوقة جوى التي تضمّ مجموعة من سيدات دمشق، بعضهن جدات، فعلمهنّ بريمو الأغنيات التراثية التي تحيي الحسّ العاطفي لدى الجدات اللواتي أبين إلا أن يجعلن أنفسهن جزءاً من المجتمع الدمشقي باستحضار جزء من تراثه.
المرأة كل المجتمع
كما اقتبس شاهين أقوالاً من عائلة الراحل من شقيقه الأكبر إلياس بريمو المنشد في إحدى جوقات لونا: “جوقات لونا منتشرة اليوم في جميع أنحاء العالم من خلال أعضائها القدامى، الذين اغتربوا وحافظوا على هويتهم السورية”، أما شقيقته حنان فقالت: “كان حسام محباً ودوداً للجميع، ومحباً للحياة وعلمته الحياة الكشفية كيف يكون منظماً ومهتماً بالتفاصيل، احترم المرأة وعدّها كل المجتمع وليس نصفه، زرع المحبة بين كل الطوائف والأديان”.
ومن المداخلات تحدثت ندى الأسود من أعضاء الجوقات عن عشق بريمو للقدس، وفلسطين التي حملها بفكره وقلبه وصلاته، فحرص في كلّ أمسية على تعليم الأطفال أغنيات عن فلسطين، فغنّوا أصعب الأغنيات “أصبح عندي الآن بندقية”، كما علّم الأطفال الأغنيات الفلسطينية الشعبية مثل “وين ع رام الله”.
وتنوعت المداخلات، فالممثل أوجا أبو الذهب تحدث عن مشاركة بريمو بالمسرح، إذ عمل معه بفرقته بالمسرح الملتزم في خمس مسرحيات، وكان يهتمّ برسم الشخصية وعلاقتها بالشخصيات الأخرى، وخطوطها مع المتلقي وفكرها وأهدافها.
أما السيدة نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق فتحدثت عن الجوقة، إذ لا يحلو صوت إلا بصحبة الآخر، وهذا سبيلنا للعيش المشترك، الذي يعكس أهمية التنسيق والتعاون.
وقدّمت السيدة رباب أحمد مديرة المركز اقتراحاً مهماً بإقامة كورال في كلّ صف ليتعلم الطلاب ثقافة الكورال، التي هي ثقافة النجاح الجماعي.
وأشاد الفنان التشكيلي نبيل السمان بما قدّمه بريمو، متمنياً أن يتابع المشروع بالمحبة نفسها وبالصدق ذاته وبالأهلية التي عمل بها المايسترو الراحل لبناء مجتمع ناجح، وبالتركيز على الصحة النفسية للطفل، ورأى السمان أن مشروع الراحل مشروع أمة.
تكريم في دار الأوبرا
المايسترو عدنان فتح الله أثنى على مشروع بريمو موجهاً دعوة لكلّ من يعمل بالموسيقا أن يخصّص جزءاً للأطفال، وأعلن عن تكريم الراحل المايسترو حسام الدين بريمو على مسرح الأوبرا بناءً على اقتراح المايسترو ميساك باغبودريان في يوم عيد المعلم في السادس عشر من شهر آذار القادم، كونه علّم الأجيال الذين تابعوا دراستهم في المعهد العالي للموسيقا.
ليندا بيطار المغنية الأكاديمية طالبة الراحل تحدثت عن تعلمها الكثير منه، وخاصة ما يتعلق بالتجاوز، حتى نستمر قائلة “لا أجد كلمات أصفه بها”، لتخلص ماريا سعادة عضو مجلس الشعب السابق إلى أن إيمان بريمو بالموسيقا كان الطريق إلى الفرح والخلاص.