موظفو الإعلام والتكنولوجيا بين مطرقة الليبرالية الرأسمالية وسندان الحرب
تقرير إخباري:
تسونامي تسريح العمال في الدول الغربية يتعاظم منذ منتصف العام الماضي، بالتزامن مع مجموعة من الأزمات ابتداءً من أزمة “كورونا”، وصولاً إلى اختلال سلاسل التوريد بفعل حرب “الناتو” ضدّ روسيا، ناهيك عن التغيّرات والتوجّهات الإقصائية الجديدة التي تتبعها شركات التكنولوجيا والإعلام لضغط مؤسساتها في سبيل زيادة قدرتها على حماية رأس المال الذي يعدّ من أهم مقدّساتها، ولو كان ذلك على حساب إعدام العمال وأيّ تداعيات اجتماعية أخرى، وما يرافق تلك التحوّلات من تراجع لحقوق العمال والموظفين في تلك الدول التي تتشدّق بالحريات والليبراليات.
بعض تلك الشركات تبرّر نهجها بالمخاوف من ركود كبير سيشلّ أسواق أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي، وفي الوقت ذاته تتناسى أن مخاوفها غير مقنعة، فلا خسائر تنتظر هذه الشركات في المدى المنظور أو حتى البعيد، لأن رساميلها تقدّر بمليارات الدولارات، وهي تشكّل “كارتيلات” احتكارية رأسمالية قوية تسيطر على قرارات الحكومات والساسة بهدف الربح بعد الربح.
هذه الكيانات تتّبع استراتيجية مريعة رغم تربّعها على قمم المبيعات والأسواق الكبرى، مثل “مايكرو سوفت، وغوغل، وتويتر، وصحيفة واشنطن بوست، وبي بي سي، وسي إن إن” وحتى الشركات الصناعية الكبرى تأثرت بالنهج والعدوى فأصبحت تتبع السياسة ذاتها دون مبرّر مثل شركتي “رينو، وهيونداي”.
تقرير منظمة “أوكسفام” يؤكد زيف مزاعم تلك الشركات، موضحاً أن تخصيص 2,5% من أرباح أباطرة رأس المال الفرنسيين، على سبيل المثال، كافٍ لحل جميع مشكلات معاشات التقاعد الفرنسية، وطبعاً ما جاء في التقرير هو مثال بسيط وصغير يمكن تعميمه وسوقه على آلاف الشركات الرأسمالية الكبرى المتباكية، فشركة “غوغل” صحيح أن أسهمها السوقية تراجعت كمعظم شركات التكنولوجيا وسرّحت 12 ألف عامل مؤخراً، لكن بالنظر إلى الأرباح المكدسة لها التي تجاوزت 1270 مليار دولار فإن خطوتها ليست مقنعة في إعدام هؤلاء الموظفين طمعاً في استمرارية الأرباح الخيالية.
وبعيداً عن التفسير الأوليغارشي لما يجري، يرى بعض الخبراء أن الولايات المتحدة ودول أوروبا عموماً سيجرّون أنفسهم والعالم نحو أزمة اقتصادية كبرى تبدأ من الوضع الداخلي الأمريكي الذي يشهد انقساماً وانفصالاً بين الجناحين الحزبيين المتنافسين، وما يتبع ذلك من سياساتٍ متخبّطة ناجمة عن عدم اتفاقهما، واستمرار المركزي الأمريكي برفع معدلات الفائدة ما يسبّب شفطاً للسيولة عالمياً، وبالتالي أيضاً قلة الاقتراض وقلّة الطلب وبالمحصلة قلّة الإنتاج، كما يضاف إلى ذلك تحذيرات الخزانة الأمريكية من وقوع واشنطن في أزمة العجز عن سداد ديونها المتراكمة التي ستجرّ ويلاتٍ على جميع دول العالم.
وعلى المقلب الأوروبي، هناك توقّعات بانخفاض نسبة التضخم دون مستوى 6,6%، لكن مع ذلك فإن أثر هذا المؤشر سيكون معدوماً على القدرة الشرائية لدى المواطن الأوروبي، ولن يمنع ذلك من حدوث الركود، وخاصةً أن حكوماتهم الرأسمالية فضّلت دعم الشركات الكبرى بمليارات الدولارات دون دعم الأفراد، إذ تشهد الساحة الأوروبية مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ نقابية وعمالية في معظم المدن، معبّرةً عن عدم تقاطع القرارات والإجراءات الاقتصادية مع واقع ذوي الدخل المحدود الآخذ نحو المزيد من السوء.
كل هذه المشكلات لا يمكن إيقافها حالياً، إلا بتحقق عدة أمور يأتي في مقدمها تغيير الاتجاه غير الإنساني الذي تنتهجه طبقات الأوليغارشية الغربية المتحكمة في أرزاق الشعوب، وسرعة تعافي الاقتصاد الصيني والمساعدة في عودته إلى سابق نشاطه عن طريق وقف تسييس إجراءات وقيود “كورونا” المفروضة بحق المسافرين ورجال الأعمال الصينيين عالمياً، فهذا أمر سيكون بمنزلة المنعش للاقتصاد العالمي في ظل تصاعد التحالفات الاقتصادية الناشئة ضدّ القوى المستغلة للدول والمصادرة لقراراتها.
بشار محي الدين المحمد