حسام الدين خضور يرسم شخصيات مختلفة تواجه الإرهاب والفساد
ملده شويكاني
“نحن جيش نظامي، نطلق النار في عملية مدروسة، ذات هدف محدّد، لا نطلق النار حتى لو تأكدنا من أننا سننزل خسارة فعلية بالعدو”، هذا ما قاله مروان لجاره وهو يروي قصة المعركة التي حدثت في اشتباكات جوبر، وبترت ساقه اليمنى إثر إصابته بقذيفة، فدفنها بقبر في زاوية بالحاكورة قرب المنزل: “ذلك قبري، دفنت فيه ساقي، وزرعت عند الشاهدة غرسة زيتون، ليتحول قبري مع الزمن إلى شجرة زيتون”.
مروان بطل قصة “الجندي الذي صار شجرة زيتون” إحدى قصص مجموعة الأديب حسام الدين خضور “ليس في الجنة قبور” الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب- وزارة الثقافة، والتي حملت عنوان إحدى القصص، وحفلت بنماذج من الشخصيات التي كانت على تماسٍ مباشر مع خط النار، إضافة إلى مجموعة من شرائح اجتماعية مختلفة، فرسم خضور بالكلمات على صفحات مجموعته السمات الخارجية والنفسية لشخصياته المتنوعة بين الكاتب والأستاذ والرسام والسائق والمدرسة والمتطوعة والأم والزوجة، ليبقى الجندي الأكثر حضوراً.
تلتقي جميعها بتمسكها بشجرة الزيتون دلالة على قوة الانتماء والتشبث بالجذور والوطن، وتواجه كلها الحرب الإرهابية وخطر الموت في كل لحظة.
توثيق المعارك
وقد وثّق خضور من خلال قصصه أحداثاً حقيقية حدثت ضمن المعارك، بسردية واقعية وأدبية تجمع بين صوت السارد والشخصيات بحوارات صغيرة تمضي باتجاهات اجتماعية في مواضع، تعكس تبعات الحرب الإرهابية على الأشخاص والتغييرات التي طالت تفكيرهم وحالتهم النفسية، فبعضهم غلبت عليهم النزعة العدوانية وآخرون لم يتغيّروا لأن إيمانهم بمبادئهم وقيمهم وأخلاقهم أكبر من الحرب رغم بشاعتها وقسوتها.
اللجوء والهجرة
فتناول واقع الحرب بين طرفين: القاتل والمقتول لينسحب هذا على الفساد الذي استشرى وعلى الجشع والأنانية في أصعب الأوقات، ما دفع كثيرين إلى الهجرة أو التفكير الفعلي بها، كما في قصة “قرار صعب”، إذ وجدت عائلة نجيب نفسها أمام خيار الهجرة، لأن ميزانية الأسرة لم تعد تغطي حاجاتها الأساسية، ولاسيما أن نجيب وزوجته يعملان موظفين بالقطاع العام: “نحن الموظفين أكثر المتضررين مما يجري”، ولكن ما تأثير الهجرة على الأولاد، هذا ما ناقشه نجيب مع زوجته ندى ولم يصلا إلى جواب؟: “غرق نجيب في أفكاره، سكنه شعور غريب، تصوّر أنه ينفصل عن وطنه، وأن أنسجته تتمزق”.
قاسيون الشاهد
وفي قصة “غيوم” يرسم الكاتب شخصية سامي: “مدقق لغوي، متوسط القامة، ذو بشرة سمراء” في التاسعة والأربعين، بينما خالد تجاوز الستين “أستاذ جامعي، نحيل، طويل، حنطي”. لتدور حوارية بينهما في الشارع بعد أن خرجا من مقهى موزاييك في المزة، على وقع أصوات انفجارات عنيفة في شرق المدينة، حول النزاع الدائر، وأعداد اللاجئين، ليعود الكاتب بصوت السارد يصف المكان بطل القصة الشاهد على دخان الحرب البشعة: “فوق قاسيون، كانت ثمة غيمة”.
خطر الرمادي
الحوار الذي انتهى بهزّ رأس سامي، نراه في صورة أوضح في قصة “اللون الرمادي”، التي تدور في منطقة تمت السيطرة عليها من قبل الإرهابيين، فبدأ السارد من النهاية بقرار سمير مغادرة بلدته: “اضطر سمير إلى الرحيل من بلدته بعد أن سيطر عليها الجهاديون، فقد أيقن أنه في خطر بعد أن أعدموا مجموعة من الرجال بتهمة الكفر”، ليعود إلى سرد الأحداث بالتتابع بداية من الخوف الذي أصاب سمير فسيّج أرضه التي يشرف عليها البيت من الجهة الشرقية، وحاول أن يحمي نفسه أكثر: “فأطلق لحيته وحفّ شاربيه وقصّ شعر رأسه”، لكنه لم يطمئن إلا بخروجه من بلدته بعد أن بكى كثيراً، فغادرها إلى الشام، ليكتشف أن اللون الرمادي لون خطير، لون الحياد الذي يحمل قراءات كثيرة تطال الخيانة أو النفاق أو الجاسوسية أو الكفر أو أعوان النظام: “إنه خطير جداً، لا تستهين باللون الرمادي”.
دور الثقافة
وفي اتجاه آخر يميل نحو البعد الاجتماعي والفيس بوك، تتواصل مريم في القصة التي حملت اسمها مع الرسام الشهير عمر وتطلب منه موعداً، يحدّده لها في حديقة الجلاء التي وصفها الكاتب بأنها خارج دائرة الحرب: “إحدى رئات دمشق، تبدو غير عابئة بالحرب الجارية على مقربة منها”، ليتوقف السارد ويأخذ دور شخصية عمر الرسام الذي وصف مريم: “عيناها العسليتان، وشفتاها الرقيقتان، مثل تويجتي جوري وتعاملها معي مثل أخت محبة جعلها مألوفة”، ومن خلال الحوار المتتابع بين مريم وعمر يصل الكاتب إلى دور المراكز الثقافية بمساعدة النازحين من خلال طلب مريم من الرسام عمر إقامة معرض يعود ريعه إلى مساعدة النازحين: “ابتسمت مريم، قالت: الفنان بحاجة إلى الناس.. لا تزعل، وهم بحاجة إليه”.
ذاكرة جمعية
واتسمت قصة “لقد قطعوا أشجار الزيتون” بمشاعر حزينة وبذاكرة جمعية تتعلق بأهالي إحدى القرى الريفية، إذ ارتبطت أسماء عائلاتهم بشجر الزيتون: “كنيات عائلات القرية هي زيتون وزيتونة والزيات والزيتي وورق الزيتون”، ويعود ذلك كما قال بطل القصة الأستاذ فواز إلى تقليد اتبع بالقرية بزراعة شجرة زيتون مع ولادة كل طفل تحمل اسمه، ويصبح مسؤولاً عنها، وكثيرون يموتون وتبقى أشجارهم: “سكان قرية الزيتونة يعبدون أشجار زيتونهم”، ومن خلال حوارية بين خليل وفواز اللذين يدرسان في مدرسة واحدة يدور الحوار حول قتلة أشجار الزيتون “لتأتي القفلة القوية بمحاربة شبان القرية هؤلاء القتلة” وطلبوا أن ينضموا إلى الجيش لقتال أعداء الزيتون”.