اقتصاد آسيا سيقود العالم
ريا خوري
قدمت العديد من الدراسات الاقتصادية الغربية تفصيلاً واسعاً وشاملاً حول التقلبات الاقتصادية العالمية، نتيجة لتحولات واستحقاقات الحرب الأوكرانية التي تركت آثارها السلبية على معظم دول العالم، خاصةً في أسعار النفط، وجملة القضايا المتعلقة بسلاسل التوريد.
تلك الأزمة لم تكن وليدة الحرب في أوكرانيا، بل سبتقها جائحة كوفيد 19 التي مثَّلت أكثر الفترات الزمنية قلقاً واضطراباً من الناحية الاقتصادية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث نتج عنها ركود اقتصادي عالمي حاد، وتقلص التجارة، وعرقلة سلسلة التوريد العالمية، عدا عن الآثار الصحية الصعبة وتداعياتها السلبية على الاقتصاد العالمي.
حالياً تفيد بيانات وتقارير “معهد التمويل العالمي” بأن إجمالي الديون المترتبة ارتفع من مستوى مئتين وخمس وخمسين تريليون دولار أمريكي عام 2019 إلى نحو ثلاثمائة وخمس وعشرين ترليون دولار عام 2020 مسجلاً زيادة كبيرة نسبتها 6, 27%. وترجع تلك الزيادة في الديون العامة إلى قيام الدول في جميع أنحاء العالم بزيادة الإنفاق الحكومي، وهو إنفاق ضروري لمنع اقتصاداتها من التراجع، والانزلاق إلى الركود في أعقاب جائحة كوفيد-19. وعلى الرغم من كل تلك العوامل المعاكسة، لا تزال قارة آسيا تمثل بارقة أمل للمستقبل، وهي ما زالت تسير في طريقها ضمن منهج معيّن لتحقيق أداء أفضل من الدول الأخرى على مستوى العالم ككل، سواء من حيث التضخم أو النمو، وتستند تلك الدراسات والأبحاث إلى عدد من القضايا المهمة، ومن أهمها أن مؤشرات وبيانات “بنك التنمية الآسيوي” التي تؤكد أن معدلات التجاوز والتحسن بشكلٍ لافت. وبحسب بيانات البنك الآسيوي، فقد بلغت نسبة النمو والتوسع في القارة الآسيوية أربعة بالمائة في عام 2022، ومن المرجح أن تزيد هذه النسبة إلى نحو أربعة بالمائة وستة بالعشرة في عام 2023. وبذلك ستصبح العديد من الدول الآسيوية، خاصةً تلك المؤهلة لأن تكون قوى وسطى، من بين تلك الجهات القوية الفاعلة التي يمكنها أن تقدم حلولاً جذرية لمشكلات عالمية مختلفة ومتنوعة. ومن المرجح أن يشهد النظام العالمي الجديد الذي بدأ يتبلور من جديد المزيد من صور التعاون المشترك مثل قضايا نقل المعرفة التكنولوجية والاقتصادية، وليس قضايا التحالفات السياسية والعسكرية والأمنية، وهو ما سيسهم في تقدم القارة الآسيوية المستمرة.
إن ما يدعم فكرة أن الدول الآسيوية ستقود الطريق، هو ما أظهرته الأزمة المالية العالمية عام 2008، والتي عرفت بأزمة الرهن العقاري، من بزوغ الدول الآسوية كقاطرة قوية للاقتصاد العالمي، وأن دورها الكبير آخذ في النمو والتطور في المجال الاقتصادي والتجاري والتمويل العالميين والحوكمة الاقتصادية العالمية. وهو ما أكدته العديد من الأبحاث والدراسات الاقتصادية المدعمة بالأرقام والجداول من أن الأسواق الاقتصادية والتجارية الصاعدة لا سيما الآسيوية منها استطاعت أن تحقق نجاحاً اقتصادياً بارزاً بتطبيق مبادئ رئيسية، هي الانضباط المستمر بإستراتيجية براغماتية للنمو تنتهج الحيطة، والمرونة واليقظة، وتثمين ما يفيد الدولة ككل أكثر مما يفيد مجموعة مصالح بعينها أو فرداً واحداً.
وبالنسبة إلى ما أكّدته الدراسات والأبحاث، وما أشارت إليه من أنه ستصبح العديد من الدول الآسيوية قوى لفاعلة اقتصادياً على المستوى الدولي، فإن ذلك يعيدنا من جديد إلى مقولة قدمه العالم الاقتصادي الأمريكي، ويليام أرثر لويس، حول التنمية الاقتصادية في المحاضرة التي ألقاها بمناسبة فوزه بجائزة نوبل في عام 1979، أن معدل نمو الناتج في دول العالم النامية اعتمد اعتماداً كبيراً، وعلى مدى مئات السنوات الماضية، على معدل نمو الناتج في العالم المتقدم تكنولوجياً وتقنياً، حيث كان القصد من كلامه أنه عندما ينمو العالم المتقدم والمتطور بسرعة، تنمو دول العالم النامي معه بسرعة، وعندما تكون وتيرة النمو متباطئة في العالم المتقدم، تتباطأ معها أيضاً وتيرة الدول النامية في العالم، وهنا يفرض السؤال نفسه هل هذا الارتباط ضروري وحتمي؟
أجابت التقارير والبيانات والإحصائيات الاقتصادية المتخصصة على العديد من التساؤلات، وتحديداً التساؤل الذي قدمه العالم الاقتصادي لويس، بأنه منذ أزمة الرهن العقاري العالمية، عام 2008، ثبت أن هذا الارتباط غير حتمي وغير ضروري، وثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه يقل اعتماد النمو في اقتصادات الأسواق النامية الصاعدة على الاقتصادات المتطورة والمتقدمة.