اقتصادصحيفة البعث

الهزة الكارثة.. “طوبى للذين آمنوا ولم يروا”

قسيم دحدل

رغم أن كلّ كارثة تشكّل حدثاً استثنائياً وفريداً، يرسخ في الذاكرة الجماعية، ولا يمكن أن يعانيه إلا من يعيشه، فإنها تشكل في الوقت نفسه نتاجاً للتاريخ وآثاراً لعمليات أوسع نطاقاً تجري على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والبيئي.

وفي المناطق المعرّضة للخطر، تكون المعارف المحلية بشأن المخاطر وكيفية التصدي لها قائمة عموماً على الذاكرة الجماعية والتاريخ، وحيثما تشكّل الكوارث ظواهر متكررة، تعلم الناس من التجربة قراءة علامات الخطر وتقييم حدّته، ووضعوا مرجعاً للتصدي له.

ما سلف هو رأي خبراء في الكوارث ناتج عن دراسات علمية وخبرات ومعارف متراكمة، لكن وبحكم الوقائع وكمّ ونوع النتائج التي تخلفها الكوارث من دمار وضحايا وخسائر مادية وغير مادية، يتأكد أن المعارف المكتسبة غير مجدية إلى حدّ ما، حيث تزداد الأخطار والأضرار حدّة وقساوة وتكلفة كلما كانت الدولة والمجتمع غير مهيئين لمواجهة تلك الكوارث، نتيجة لعدد من المشكلات المختلفة الأسباب.

ولعلّ إحدى المشكلات تتمثل بوجود فجوة قائمة في الاتصالات والمعارف والتفاعل بين السلطات المسؤولة عن الاضطلاع بجهود الحدّ من مخاطر الكوارث والإنعاش وأفراد المجتمع المحلي.

استناداً إلى ما سبق، لعلّ الهياكل الأساسية غير المادية هي مفتاح الحدّ من المخاطر، إلاَّ أننا نفتقد إليها تماماً، وهذا أمر مهمّ يحتاج إلى تنفيذ برامج أكثر فعالية واستدامة لإدارة الكوارث والحدّ من المخاطر.

إن الهزات التي ضربت وتضرب منطقتنا، وتخلّف ما تخلّف من خراب وخسائر فادحة، لا بد وأن تكون دروساً علمية وعملية وعبرة مجتمعية، يجب عدم نسيانهما أبداً، لأن على أساسهما يمكن تحديد ما يتوجب التحضير والتحضر له على الأمد المنظور والمتوسط والاستراتيجي.

وعليه، وكما أن السلطات بشكل متزايد تتوقع أن يتحمّل فرادى المواطنين والمجتمعات المحلية مسؤوليات الحدّ من مخاطر الكوارث تحت مسمّى “القدرة المحلية على التحمّل”، على السلطات والجهات المعنية من وزارات ومؤسسات وشركات وهيئات أن تتحمّل مسؤولياتها في هذا الشأن، حتى تكتمل حلقة التحمّل والقدرة على الحدّ من الخطر، والتقليل ما أمكن من حجم الخسائر، بين الأفراد والمجتمع المحلي من جهة والدولة من جهة أخرى.

ففي هولندا مثلاً، تسعى الإعلانات التجارية الهزلية إلى تشجيع المواطنين على التفكير الاستشرافي والتهيؤ بطرق منها: العمل بتكنولوجيا الإرسال الانتقائي للمعلومات، أي نظام إنذار بالهاتف المحمول يتيح للسلطات إبلاغ القاطنين في المنطقة المجاورة مباشرة بحالة طوارئ معيّنة. وفي السويد، تنفّذ السلطات حملات إعلامية من خلال منصات افتراضية، حيث يمكن للمواطنين أن يشاركوا في القوائم المرجعية لكلّ شيء، بدءاً من الحدّ من خطر الانزلاق في طقس الشتاء القارس، إلى التعليمات بشأن كيفية الاستعداد لمواجهة سيناريو أسوأ الافتراضات، كذلك وتنبِّهنا الأدوات الإعلامية إلى وضع مجموعة مواد بهدف ضمان النجاة خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد وقوع الكوارث. هذا أقلّ ما يمكن فعله، فما بالكم بما يجب فعله على صعيد التخطيط الإقليمي والعمراني والتنموي، ودور كلّ منا، بدءاً من أصغر وحدة إدارية وليس انتهاء بدور السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية!

وبالتالي ورغم الخطاب الذي يشجّع على إشراك الناس في التخطيط للتأهب والحدّ من المخاطر، فقلما يتمكّن أفراد المجتمع المحلي بالفعل من تحمّل هذه المسؤولية، أو لا يستطيعون التحمّل وخاصة حين يفتقدون لمتطلبات وإمكانيات القدرة والمقدرة على التحمّل لسبب ما، كما هي الحال في الحالة السورية، ولاسيما بعد عشر سنوات من الحرب الإرهابية مختلفة الأوجه والمستويات التي تعرّضت وتتعرض لها الدولة والمجتمع السوري، واستنزفت كلّ مقدرات وإمكانيات البلد.

وليس أخيراً، بل بالأصح بداية لا بدّ من التأكيد على أن تكون هذه الكارثة الرهيبة التي تعرّض لها وطننا، نقطة انطلاق ليس لدراسة مشروع أمن وطني وقومي (اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي) لمواجهة الكوارث، وإنما لترجمة هذا المشروع الذي طالما تعاطينا معه بفتور وتبسيط غير مسؤول، لأننا ربما لم ندرك فداحة المشهد وتوابعه وتأثيراته..، “فطوبى للذين آمنوا ولم يروا”.

Qassim1965@gmail.com