بعد نهاية دوري كرة الظل في قسمه الأول .. اتحاد كرة القدم مطالب بإعادة النظر في شكل المسابقة والأندية أمام اختبار البناء الصحيح
البعث الأسبوعية- ناصر النجار
اختتم هذا الأسبوع دوري الدرجة الأولى لكرة القدم في دوره الأول وخرج من المنافسة ستة عشر فريقاً من أصل ثلاثة وعشرين فريقاً شاركوا في منافسات الدور الأول الذي أقيم على أربع مجموعات ضمت كل مجموعة ستة فرق باستثناء المجموعة الثانية التي ضمت خمسة فرق بعد انسحاب الشعلة.
ولعبت الفرق بمعدل عشر مباريات في شهرين باستثناء المجموعة الثانية التي لعبت فرقها ثماني مباريات، وبذلك يكون الموسم الكروي عند ثلثي الفرق قد انتهى في شهرين ولعبت فيه الفرق بمعدل عشرة مباريات هي حصيلة نشاطها في موسم كامل.
وتفاوت المستوى من فريق لآخر فبينما كانت بعض الفرق متحمسة للانتقال للدور الثاني كانت بقية الفرق في وادٍ آخر وبحثت عن البقاء أكثر من أي شيء آخر.
مع التأكيد أن هذه الفرق ضمت فرقاً ذاقت نعيم الدوري الممتاز في السنوات القليلة الماضية كالشرطة والمحافظة وحرجلة والنواعير والساحل وعفرين والحرية وهي تتوق للعودة إليه ولن يعود من هذه الفرق بنهاية هذا الموسم إلا فريقين اثنين والبقية ستبقى ضيوفاً على دوري كرة الظل.
الفرق وزعت بين الشمال والجنوب بمعدل مجموعتين في كل من الشمال والجنوب وذلك ضغطاً للنفقات فمجموعتي الشمال دارت مبارياتها بين حماة وحلب واللاذقية وطرطوس ومجموعتا الجنوب جرت ملاعبها على دمشق وريفها والسويداء، وحلت فرق دير الزور والحسكة ضيوفاً على المجموعتين بالمباريات لكن ملاعبها بقيت في دمشق كأرض افتراضية لها.
منافسة معدومة
مجموعتا الجنوب ضمت في الأولى فرق: الشرطة والكسوة والنبك والعربي واليقظة ودوما، والثانية ضمت فرق: المحافظة وحرجلة والتل وجرمانا ومعضمية الشام والشعلة الذي انسحب قبل انطلاق الدوري.
وعلى صعيد المنافسة فلم نجدها قوية في مجموعتي الجنوب فكان المتصدران الشرطة والمحافظة في واد وبقية الفرق في وادٍ بعيد، لذلك تصدر الشرطة والمحافظة فرق مجموعتيهما بسهولة مطلقة دون أدنى صعوبة وكانت مبارياتهما فرصة لتأدية تمارين حيوية أشرك فيها مدربا الفريقين العديد من الوجوه الشابة والجديدة، بيد أن الامتحان الحقيقي من المفترض أن يكون في الدور النهائي المؤهل للدرجة الممتازة ، ولن يكون هذا الدور مشكلة على الفريقين لأنهما سيواجهان نظيرين لعبا معهما في دوري المجموعات وهما خارج كل أطر المنافسة وبعيدين عنها كل البعد.
والفرق التي نافست على البطاقة الثانية في المجموعتين الجنوبيتين كانت متقاربة المستوى والإمكانيات وهي فرق: الكسوة والنبك وحرجلة والتل وهذه فرق رغم طموحها إلا أنها محدودة المستوى والإمكانيات ومن المؤكد أن طموحها لن يزيد عن هذا الدور وقد يحسب وصولها إليه من باب الإنجاز.
وبقية فرق المجموعة كانت مشاركة من باب رفع العتب ففرق جرمانا ومعضمية الشام ودوما لم تحقق أي فوز في هذا الدوري وظهرت عديمة المستوى ومشاركتها الهزيلة في الدوري دلّت على ضعف الإمكانيات المالية والفنية وما قدمته في الدوري اشارت إلى أن هذه الفرق لا تملك مقومات كرة القدم ولم تكن أفضل من فرق الأحياء الشعبية.
لكن المشكلة تمثلت بفريقين كبيرين وعريقين هما اليقظة والعربي وقد كانا ضمن الفرق المنافسة في هذا الدوري في المواسم السابقة لكنهما هذا الموسم لم يظهرا كما يجب فقدما أداء ضعيفاً كانا فيه أقرب إلى المهددين منه إلى المنافسين، وهذا بسبب ضعف الإمكانيات المالية التي لم تكن معينة لاستعداد جيد للدوري وبالتالي فإن الفريقين حققا نتائج وفق هذه الإمكانيات.
انسحاب الشعلة أضعف المنافسة في المجموعتين في القاع فصارت عملية الهبوط باردة وغير مؤثرة على الفرق والمباريات، ففرق المجموعة الثانية بعد أمنت على نفسها من الهبوط سارت مبارياتها دون حساسية أو خوف وكانت روتينية والكثير منها افتقد الحماس، وفي المجموعة الأولى كان دوما أضعف الفرق وتبين أن مستواه يؤهله للهبوط وجاءت نتائجه لتؤكد هذا التصور فغابت زحمة المنافسة عن أكثر من نصف فرق المجموعة ما أدى إلى تراجع المستوى بشكل عام.
شكل مختلف
توزعت فرق الشمال على مجموعتين أيضاً فضمت المجموعة الثالثة فرق: النواعير وشرطة حماة والحرية والنيرب وصبيخان والتضامن، وضمت المجموعة الرابعة فرق: عفرين والساحل وخطاب وعمال حماة والجهاد ومورك.
المرشحون في هاتين المجموعتين كان عددهم قليل وبالأصل الأنظار توجهت إلى فرق النواعير والساحل والحرية وعفرين، لكن المباريات قدمت لنا فرقاً جديدة جادة بمنافساتها كشرطة حماة في المجموعة الثالثة وخطاب في المجموعة الرابعة وهذه الفرق دخلت بوابة المنافسة من أوسع أبوابها ونافست الفرق التي تملك تاريخاً وعراقة منافسة مباشرة وقوية، وعلى غير العادة ظهر التضامن بمظهر الضعيف بعد أن كان في المواسم السابقة منافساً عنيداً حتى الأمتار الأخيرة وتلقى هزيمة قاسية أمام الحرية هي الأكبر بعشرة أهداف نظيفة وهي الخسارة الكبيرة الثانية بعد خسارة دوما أمام الشرطة بعشرة أهداف مقابل هدف وحيد.
ولم يكن ضيف الدوري صبيخان القادم من دير الزور بوضع جيد وكان دوماً على خط المنافسة مع التضامن لتفادي الهبوط، ومثله فريق مورك في المجموعة الرابعة التي كان على هامش المجموعة طوال الدوري وانحصرت المنافسة على الهبوط بينه وبين عمال حماة والجهاد الذي قدم مستويات متوسطة لكنه لم يكن من الأقوياء كما كانت المراهنات عليه قبل انطلاق الدوري.
النيرب لفت الأنظار بأداء جيد ومنافسة قوية لكنه افتقد اللمسة الأخيرة، وحقق الفريق العديد من النتائج الجيدة كفوزه على الحرية مطلع الدوري بهدف، وحاز النيرب على لقب الدفاع القوي فكان مرماه عصياً على الفرق الأخرى، تجربة عمال حماة حسب المتوفر كانت جيدة وعمل ما بوسعه ليكون فارساً بالدوري ولم يكن بالإمكان أفضل مما كان.
الأوضاع العامة في هذه الأندية انعكست على فرقها سلباً أو ايجاباً، وللأسف فإن أغلب الأندية عانت وبعضها ما زال حتى الآن يعاني من فوضى إدارية وسوء تنظيم، أو تخبط إداري أو سوء إدارة، أما موضوع الأزمات المالية فهي صفة تشترك بها كل الفرق.
فريق الحرية دفع ضريبة الاضطراب الإداري هزيمة أمام النيرب أول الدوري حتى جاءت الإدارة الجديد وسارت بالفريق نحو التأهل إلى الدور الثاني، والشيء نفسه عانى منه عفرين حتى جاءت إدارة جديدة قديمة لكنها تشتكي سوء الإمكانيات وضعف الموارد البشرية، والنواعير حتى الآن في حالة ضبابية والوضع الإداري مظلم والخلافات الإدارية خرجت للعلن لتخبرنا عن أيام سوداء تنتظر النادي إن لم يتدخل العقلاء لإنهاء عهد لا يليق بناد عريق بحجم النواعير، والجميع يعرف الازمات التي تعصف بنادي الساحل والتغييرات الإدارية والفنية المتلاحقة التي أدت إلى غياب الروح المعنوية عن لاعبي الفريق إضافة لتمرد بعض اللاعبين الذين طالبوا بمستحقاتهم المالية دون جدوى، فتعثرت نتائج الفريق كثيراً لكنه عاد إلى جادة الصواب في الإياب.
بالمحصلة العامة فإن الفرق التي حافظت على انضباطها وهدوئها هي فرق الهيئات مثل فريق الشرطة والمحافظة وشرطة حماة وعمال حماة فكانت إداراتها مستقرة وأمورها المالية في أحسن حال من ناحية الالتزام بدفع الرواتب والعقود وتقديم التجهيزات والمستلزمات، بينما بقية الفرق عانت من كل الجوانب.
اهتمام مفقود
إذا تحدثنا عن الملاعب الكروية في الدرجة الممتازة فإنه حديث ذو شجون، فكيف بملاعب الدرجة الأولى، وهذه الملاعب كانت غير صالحة بالمطلق وأغلبها افتقد لشروط السلامة والأمان وخصوصاً الملاعب الصناعية، ومن الملاعب الأخرى ملاعب جرمانا وعرطوز والمجد والفيحاء الصناعي كلها ملاعب إذا وجدت فيها الأسوار كانت الأبواب مفتوحة وكم من مباراة وجدنا الجمهور فيها على أطراف الملعب، وإذا تحدثنا عن المستلزمات فهي رديئة جداً ووجود رجال حفظ النظام فهو على قدر المستطاع، أما سيارات الإسعاف فهي غائبة تماماً، ورغم الحادثة التي جرت مطلع الموسم بين معضمية الشام وجرمانا على ملعب عرطوز وتوفي فيها مدرب حراس معضمية الشام وتم تحميل المسؤولية لتنفيذية ريف دمشق واللجنة الفنية لكرة القدم بريف دمشق ومراقب المباراة لأن المباراة أقيمت بدون وجود سيارة اسعاف إلا أن المباريات التي جرت بعدها أغلبها أقيم دون وجود سيارة اسعاف رغم تأكيد اتحاد كرة القدم بكتاب رسمي على تحميل مسؤولية المباراة حال غياب سيارة الإسعاف للفريق صاحب الأرض وللحكم والمراقب.
دون جدوى
أمام كل ما سبق لا نجد جدوى من الدوري بشكله الحالي، وإذا تحدثنا عن الملاعب والمستلزمات والمستويات الفنية والإمكانيات فإن عدم توفر هذه العوامل لا يخدم كرة القدم ويبقى الدوري في شكله الحالي أشبه بدوري الأحياء الشعبية لأنه بلا هدف ويغيب عنه التخطيط والاستراتيجية، فكرة كرة الأحياء الشعبية مبنية على تأمين اللاعبين ليكتمل الفريق ومن ثم تأمين مباريات ودورات للترفيه والتسلية.
الفكرة التي نود قولها أن أغلب فرق الدرجة الأولى لا تملك مقومات كرة القدم وهي بالأصل أندية حبر على ورق، فلا منشآت ولا استثمارات ولا موارد مالية، فكيف تتبنى كرة قدم وكيف ستبنيها، وللأسف فإن معظم هذه الأندية تستقدم لاعبيها من فرق الأحياء الشعبية إضافة إلى بعض اللاعبين الذين لم يجدوا مكاناً في الدرجة الممتاز أو أولئك الذين تجاوزوا سن الاعتزال لنجد عشوائية كرة القدم موجودة في هذا الدوري، وليكون كلامنا مطابقاً للواقع فمن حقنا أن نسأل: كم لاعباً خرج من هذا الدوري إلى الأندية الممتازة أو كان ضمن خيارات مدربي المنتخبات الوطنية؟
فإذا ضم كل فريق في كشوفه خمسة وعشرين لاعباً فإن مجموع لاعبي فرق الدرجة الأولى هي ستمئة لاعب، وبالأرقام لا نجد من اللاعبين المقبولين من يتجاوز عددهم عشرة بالمئة ولا نجد من الشباب إلا القليل جداً، لذلك هذا الدوري عديم الفائدة بلا فاعلية ما دام على هذه الصورة، وكم تمنينا لو يتم صدور قرار بمنع مشاركة أكثر من ثلاثة لاعبين تجاوزوا سن الثلاثين، ومع قرار يشجع على مشاركة الشباب في هذا الدوري ليكون فرصة للجيل الجديد لكسب الخبرة وللصقل والاحتكاك، ولو عدنا إلى الفكرة التجارية لوجدنا أنها فاعلة ومربحة، هذه الأندية لو استقطبت لاعبين شباب وناشئين وعملت على تطويرهم ورفع مستواهم ومن ثم بيعهم لحققوا المراد من كرة القدم وليساهموا بدخل مالي وفير يعود على الأندية، نحن لا نريد من أندية الريف المتواضعة بإمكانياتها أن تنافس بكرة القدم، بل نريدها أن تبني كرة قدم صحيحة وأن توفر جهودها ومالها لتضعه بالمكان الصحيح بدل أن تنفقه بلا طائل.
كرة القدم في العالم قسمان، قسم مكتف ذاتياً لديه موارده المالية الضخمة ولديه شركاته الراعية ومنشآته الكبيرة، وقسم منتج، لا يملك إمكانيات الفرق العريقة ولكنه يعمل على صناعة كرة القدم عبر رعاية الفرق القاعدية والمواهب وتأهيليها، وكما نرى كيف أن الأكاديميات انتشرت في بلدنا من أجل تطوير كرة القدم ورعاية المواهب، فإن تجربة هذه الأكاديميات يجب أن تكون ضمن أجندة هذه الأندية فهي أولى بها.
أخيراً اتحاد كرة القدم يجب أن يعيد نظره بدوري الدرجة الأولى وعليه بالوقت ذاته أن يصدر القرارات التي تحدد أهداف الدوري، فالمشكلة ليست مالاً ودعماً فقط، بل هي مشكلة فكر وثقافة وللأسف فإن كرتنا تدار بعقلية هاوية.